ص : ٦٢٣
الوالدين من ولدهما الإشراك باللّه لا يسوّغ له الشرك، ولا يعتبر إكراها يبيح النطق بكلمة الكفر تقية.
ودلّ قوله تعالى : وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً على أنّ الولد لا يستحق القود على أحد والديه، وأنّه لا يحد له إذا قذفه، ولا يحبس له بدين عليه، وأن على الولد نفقة كلّ منهما إذا احتاجا إليه، إذ كان جميع ذلك من الصحبة بالمعروف، وفعل ضده ينافي مصاحبتهما بالمعروف.
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ أي اتبع سبيل من رجع إليّ بالتوحيد والإخلاص بالطاعة، لا سبيل والديك اللذين يأمرانك بالشرك.
أخرج الواحدي «١» عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : يريد بمن أناب أبا بكر رضي اللّه عنه. فإنّ قوله تعالى : وَإِنْ جاهَداكَ إلخ نزل في سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه. وإسلام سعد كان بسبب إسلام أبي بكر رضي اللّه عنه. وذلك كما روي عن ابن عباس أنه حين أسلم أبو بكر رآه سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعثمان، وطلحة، والزبير، فقالوا لأبي بكر : آمنت وصدّقت محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال أبو بكر : نعم، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فآمنوا وصدّقوا، فأنزل اللّه تعالى يقول لسعد : وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعني أبا بكر رضي اللّه عنه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه كان يقول : من أناب هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، لكنّ جمهور المفسرين على أنّ المراد العموم، كما هو ظاهر اسم الموصول، ولذلك قالوا :
إنّ قوله تعالى : وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يدل على صحة إجماع المسلمين، وأنّه حجة لأمر اللّه تعالى إيانا باتباعهم. وهو مثل قوله تعالى : وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [النساء : ١١٥].
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي إليّ مرجع من آمن منكم، ومن أشرك، ومن برّ، ومن عقّ، فأنبئكم عند رجوعكم بما كنتم تعملون بأن أجازي كلّا منكم بما صدر عنه من الخير والشر.
والجملة مقرّرة لما قبلها، ومؤكدة لوجوب الإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما فيما يأمران به، ما دام ليس فيه معصية للّه تعالى، فإذا أمرا بمعصية فلا طاعة لهما، لأنّه
«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» «٢».
(٢) سبق تخريجه.