ص : ٦٣٧ وظاهر قوله تعالى : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أنّ العدة حيث تجب تكون حقا للمطلّق، وقد يقول بعض من يسير مع الظواهر : إنّ العدة حقّ خالص للمطلق، فإنّه يغار على ولده، ويعنيه ألا يسقى زرعه بماء غيره، وكون العدة لا تسقط إذا أسقطها المطلّق لا يدل على أنها لسيت حقه، إذ قد عهد في الشريعة حقوق لا يملك أصحابها إسقاطها كحق الإرث وحق الرجوع في الهبة وحق خيار الرؤية.
لكن المشهور عند الفقهاء أنّ العدة ليست حقا خالصا للعبد، فإنّ منع الفساد باختلاط الأنساب من حقّ الشارع أيضا.
فالراجح أن العدة تعلّق بها حقّ اللّه وحقّ العبد ولما كانت منفعتها عائدة على العبد، وكانت غيرة الرجل مظنة أن تدفعه إلى أن يحول بين المرأة وحريتها في أن تلتمس غيره من الأزواج، حتى في هذه الحالة التي لم يحصل فيها خلوة ولا وقاع، لما كان ذلك كذلك خاطبه اللّه سبحانه وتعالى بأنه لا سبيل له على هذه المرأة، وأنه يجب عليه أن يخلي سبيلها بالمعروف، فلا يكون في الآية دلالة على أنّ العدة حق خالص للمطلق.
وظاهر أنّ الضمير في قوله تعالى : فَمَتِّعُوهُنَّ راجع إلى المؤمنات اللاتي طلّقن قبل أن يمسسن، سواء أكن مفروضا لهنّ أم لا. فيكون ظاهر قوله تعالى : فَمَتِّعُوهُنَّ إيجاب المتعة للمطلقة قبل الدخول، سواء أفرض لها مهر أم لم يفرض، وبهذا الظاهر كان يقول الحسن وأبو العالية.
وقد أخرج عبد بن حميد عن الحسن أيضا أنّ لكل مطلقة متاعا، سواء أدخل بها أم لم يدخل، وسواء أفرض لها أم لم يفرض.
وظاهر هذه الرواية الوجوب في الكلّ عملا بظاهر قوله تعالى : وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) [البقرة : ٢٤١]. ولكنّ قوله تعالى في سورة البقرة :
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [البقرة : ٢٣٧] لم يجعل للتي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها مهر إلا نصف ما فرض لها، ولم يجعل لها متعة، لأنّ وروده في مقابلة قوله تعالى : لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) [البقرة : ٢٣٦] يجعله كالبيان لمفهوم القيد الذي هو عدم الفرض، فيكون كالصريح في أنّ التي طلقت قبل الدخول ولم يفرض لها مهر ليس لها متعة.
وقد علمت أنّ ظاهر الآية التي معنا يوجب لها المتعة، فكان بين الآيتين تعارض في ظاهرهما : وللعلماء في دفع هذا التعارض طرق :
فمنهم من جعل آية البقرة مخصّصة لآية الأحزاب التي معنا، أو ناسخة