ص : ٦٣٩
المنفعة والمهر. وذلك كاف في تصحيح إطلاق اسم الأجر على المهر، وقد قلنا في بادئ الرأي، لأنّ اللّه تعالى يقول : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) [النساء : ٤] والنحلة العطية.
وإنك لترى الفقهاء قاطبة في مواضع كثيرة يقولون : المهر ليس في مقابلة البضع، ولا في مقابلة المنفعة، ولا هو في مقابلة الانتفاع، إنما هو بدل وعطية لإظهار خطر المحل وشرفه. على أنّك ترى أنّ حقيقة الأجرة لا تمشي مع المهر خطوات كثيرة، فالأجرة في مقابلة المنفعة تنقسم عليها، وتتجزأ معها بحسب الزمن، وليس كذلك المهر، حيث يجب نصفه بالطلاق بعد العقد قبل المس، ويجب كله في غير هذه، ولا عبرة بمرات الانتفاع كثرة وقلّة، بل المرة الواحدة كالذي لا يتناهى من المرات. وأنت تعرف أنّ الخلوة الصحيحة مرة واحدة توجب المهر كاملا عند الحنفية، فهل ترون أن الرجل انتفع، وأنّ انتفاعه تكرّر.
وقد جاء في الآية الكريمة عدة قيود، ما أريد بواحد منها إلا التنبيه على الحالة الكريمة الفاضلة :
منها، وصف أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم باللاتي آتى أجورهن، فإنه تنبيه على الحالة الكاملة، فإن الأكمل إيتاء المهر كاملا دون أن يتأخر منه شيء. وما الذي عليه الناس من تأخير بعض المهر إلا شيء أحدثه العرف، واقتضاه الحذر بعد أن فسد حال الناس، واقتضاه التغالي في المهور أو الظهور بمظهر المغالاة فيها. وإذا كان الفقهاء قد جعلوا للمرأة حقّ الامتناع من تمكين الزوج حتى تأخذ المهر كاملا. فلا يكون الأليق أن يدفع المهر كاملا حتى لا يظهر الرجل بمظهر من يريد استحلال الفروج بالمجان. ويقول العلماء : إنّ تعجيل المهور كان سنة السلف، لا يعرف منهم غيره، وقد شكا بعض الصحابة عدم قدرته على التزوج
فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم :«أين درعك الحطمية» «١».
ومنها أن تخصيص المملوكات بأن يكنّ من الفيء من هذا القبيل، فإنّ المملوكة إذا كانت غنيمة من أهل الحرب كانت أحلّ وأطيب مما يشترى من الجلب، لأن تلك ظاهرة الحال، معروفة النشأة.
ومن تلك القيود قيد الهجرة في قوله : اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ولا شك أن من هاجرت مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أولى بشرف زوجية النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ممن عداها.
وإنما قلنا الذي قلنا حتى لا نخوض فيما خاض فيه المفسرون من أشياء لا تغني من الحق شيئا، فقد حاولوا أن يأخذوا من قوله تعالى : اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أن الممهورات من نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد أخذن مهرهنّ كلّه معجلا وأن تعجيل المهر كان