ص : ٦٤٥ وشيء آخر : وهو أنّ الإجارة عقد على المنافع بعوض. وبعبارة أخرى هي تمليك المنافع بعوض.
ويقول الحنفية وقد فرّعوا الفروع على ما قالوا : إنّ النكاح ليس عقد تمليك، وإنما هو استباحة، وهما مختلفان في الآثار.
وفرق آخر : هو أنّ «١» الحنفية يصرّحون بأنّ المهر في النكاح ليس عوضا، وإنما هو عطية أوجبها اللّه تعالى إظهارا لخطر المحل، ولذلك صحّ النكاح مع النص فيه على ترك المهر، ويجب مهر المثل بالدخول، ولو كان عوضا لما صح تركه، فضلا عن النص عن الإسقاط، ولو سلّم أن النكاح يقتضي التمليك فلا يصح أن يعقد بلفظ الإجارة، حتى لا يلتبس الأمر بعقد المتعة الباطل، وما ينشأ اللبس إلا من لفظ الإجارة الدالّ على التوقيت.
وما كانت تسمية المهر أجرا لتستلزم هذا الذي ذهب إليه الكرخي، وقد بينا لك فيما تقدم المسوّغ لهذا، وهو ما يبدو من شبه بين الأجر والمهر، والمسألة في هذا سهلة، فالحنفية كلهم على غير ما يرى الكرخي.
ومما جرى الخلاف فيه بين الفقهاء عقد النكاح بلفظ الهبة لغير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد، والثوري، والحسن بن صالح : يجوز، ولها ما سمّى في العقد. ومهر المثل إن لم يسمّ شيء.
وروى ابن القاسم عن مالك أنّ الهبة لا تحل بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن كانت هبة نكاح، وقال الشافعي رضي اللّه عنه : لا يصحّ النكاح بلفظ الهبة.
وخلاف الفقهاء تابع لنزاع العلماء في معنى قوله تعالى : خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فذهب جماعة إلى أن الخصوصية والخلوص الوارد في الآية هو خلوص عقد النكاح بلفظ الهبة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ألا ترى كيف قال اللّه تعالى : لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وكيف قال : إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها وقبل ذلك : إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ وفي جميع ذلك من الإشارة ما يدلّ على أن إحلال المرأة من طريق الهبة كان خاصا بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وذهب آخرون إلى الخلوص والخصوصية الواردة في الآية كان في نكاح الواهبة بغير مهر. أما عقد النكاح بلفظ الهبة فكان جائزا للنبي وأمته معه، لا خصوصية فيه، وهو مروي عن مجاهد، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وزعم الذاهبون إليه أنّ الآية تدلّ عليه، وذلك أنّ اللّه تعالى يقول : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ