ص : ٦٤٨
والإيواء : الضم والتقريب.
والابتغاء : الطلب.
والعزل : الإبعاد.
اختلف في سبب نزول هذه الآية، فروى أبو رزين العقيلي أنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أشفقن أن يطلقهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قلن : يا رسول اللّه! اجعل لنا من نفسك ومالك ما شئت فكانت منهن : سودة بنت زمعة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة غير مقسوم لهنّ.
وكان ممن آوى : عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة : يضمهن ويقسم لهن.
وقيل كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن الرجل أن يخطبها حتى يتزوجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أو يتركها.
ويكون المعنى على ما روى أبو رزين : اعزل من شئت من القسم، وضمّ إليك من تشاء.
ويرى ابن العربي «١» أنّ القولين غير صحيحين، أما ما روي عن أبي رزين فلم يرد من طريق صحيح.
وأما الآخر، فلأنّ امتناع الخطبة بعد خطبة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا ذكر له، ولا إشعار به، وهو مع كونه غير خاص بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يكاد يتسق مع باقي الآية.
وقد اختلف العلماء في المراد من الإرجاء والإيواء :
فقد روي عن ابن عباس أنّ معنى الآية : تطلّق من تشاء، وتمسك من تشاء.
وروي عن قتادة : أنّ المعنى : تترك من تشاء، وتنكح من تشاء، وقد أسلفنا لك. عن أبي رزين ما يفيد أن المعنى : تترك من تشاء من غير قسم، وتقسم لمن تشاء.
ويرى ابن العربي «٢» أنّ الصحيح في سبب نزول الآية وفي معناها هو ما روي من طريق صحيحة عن عائشة أنها قالت : كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأقول : أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل اللّه تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
وثبت في «الصحيح» «٣» أيضا عنها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يستأذن في يوم المرأة منّا بعد أن نزلت هذه الآية : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ فقيل لها : فما كنت تقولين؟ قالت : كنت أقول : إن كان الأمر إليّ فإني لا أريد يا رسول اللّه أن أوثر عليك أحدا أبدا.
(٢) المرجع نفسه (٣/ ١٥٥).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٦/ ٢٨)، ٦٥ - كتاب التفسير، ٧ - باب ترجي من تشاء حديث رقم (٤٧٨٩).