ص : ٦٥٢
وأما قول ابن زيد فباطل أيضا، فإنّ نكاح الاستبدال الذي يدّعيه حرام على كل الناس، فلا يكون هناك محلّ لتوجيه الخطاب إليه وحده.
وأما إعراب قوله تعالى : وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ فيرى البعض أنّها في موضع الحال، والمعنى : لا يحل لك أن تتبدل بهن أزواجا على أي حال، حتى حال إعجابك بحسنهن. ويرى البعض أنّ هذه جملة شرطية حذف جوابها، لفهمه من الكلام، والمعنى : ولو أعجبك حسنهنّ لا يحل لك نكاحهن.
إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ رأيت في الذي سبق أنّ تقييد حلّ المملوكة بكونها فيئا لا يقصد منه الاحتراز، وقد جاء استثناء المملوكات من المحرمات مطلقا، فهو متفق مع الذي قلنا هناك.
وأما من يرى أنّ القيد هناك للاحتراز، فلعله يحمل المطلق هنا على المقيد هناك، أو لعلّه يقول : إنّ العموم هنا أبطله الخصوص هناك، وما نريد أن نعرض إلى أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هل كان يحل له الكافرات، أو هن كنّ محرمات عليه؟ فالواقع أنّ النبي لم ينكح كافرة بعد الرسالة، والبحث في حلهن وحرمتهن غير مجد بعد ذلك.
بقي أنّ العلماء اختلفوا في الآية : أبقيت محكمة لم يدخلها النسخ، أم نسخت؟
والذين قالوا بالنسخ اختلفوا في الناسخ : أهو الكتاب أم السنة؟ فذهب جماعة إلى أنّها محكمة، وأنّ ذاك كان تكريما للمختارات، وجزاء على إحسانهن.
ويرى البعض أنها منسوخة، ويروون في ذلك حديثا عن عائشة :«ما مات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلا وقد أحلّ اللّه له من شاء من النساء إلا ذات محرم» «١» ويقول ابن العربي «٢» في هذا : إنه حديث ضعيف شديد الضعف.
والذين ذهبوا إلى النسخ اختلفوا في الناسخ، فيرى بعضهم أنّ الناسخ هو قوله تعالى : إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى آخر الآية، ويقولون : إنّ الترتيب في التلاوة ليس دليل الترتيب في النزول.
وهذا عجيب من قائليه، فإنّ النسخ في الحقيقة يعتمد ثبوت تأخر الناسخ عن المنسوخ، وأن يكون بينهما تعارض، وأين هذا مما يقولون؟ هل مجرد احتمال أن تكون الآية التي معنا متقدمة في النزول كاف لإثبات النسخ فيها؟
أما الذين قالوا : إن الآية منسوخة بالسنة، وإن ذلك دليل على جواز نسخ الكتاب بالسنة، فأمرهم أعجب، فإن الذين يجيزون نسخ الكتاب بالسنة لا يقولون إنّه
(٢) انظر أحكام القرآن للإمام ابن العربي (٣/ ١٥٥٩).