ص : ٦٦٥
لقد حكى القرطبي «١» الإجماع على ذلك، وذلك عملا بما يقتضيه الأمر صَلُّوا من الوجوب، وتكون الصلاة والسلام في ذلك ككلمة التوحيد، وذلك أنك تعلم أنّ الصحيح أنّ الأمر لا يقتضي التكرار، وإنما هو للماهية المطلقة عن قيد التكرار والمرّة، وحصوله بالمرة ضرورة من ضرورات الحصول.
وذهب بعضهم إلى القول بوجوب الصلاة والتسليم في التشهد، وقيل : هي واجبة في الصلاة من غير قيد بمكان. وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقيّد بعدد، وقيل : تجب في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره فيه، وقيل : تجب كلما ذكر.
ولعل هذا القول من قائليه مبنيّ على أنّ الأمر يفيد التكرار، ولعلهم يستدلون بالأحاديث الترغيبية والترهيبية الواردة في فعلها وتركها، وأنت لو اطلعت على هذه الأحاديث لفهمت من صيغتها أنّها لمجرد الترغيب، وأنّها ككل الحسنات تتضاعف، انظر إلى
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«من صلّى عليّ واحدة صلّى اللّه عليه عشرا» «٢» و«من صلّى عليّ عشرا صلّى اللّه عليه مائة»
فإنك واجد أنّه متفق مع قوله تعالى : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام : ١٦٠] وما قال أحد إلا أن هذا ترغيب في الإحسان.
وعلى كلّ فالآية لا دلالة لها إلا على الوجوب مرة، فمن زاد على هذا فعليه الدليل، ونحن لما يدل عليه ملتزمون.
وأخيرا فليلتمس القائلون بغير ما تدل عليه الآية دليلهم في غيرها، فإن قام دليل على وجوب الصلاة والسلام في التشهد وجب، وإن دلّ على ختام الصلاة وجب، وإلا فالآية بمنأى عن هذا كله.
قال اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) هذا عود إلى تأكيد النهي عن أذى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد الأمر بالصلاة والتسليم عليه اقتضته العناية الكاملة بشأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد قيل : إنّ المراد بأذى اللّه ورسوله ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر والعصيان، وقيل : بل إيذاء اللّه تعالى : ما يكون من قبيل قول اليهود والنصارى يد اللّه مغلولة، والمسيح ابن اللّه، وعزير ابن اللّه، وجعل الأصنام شركاء للّه، وإيذاء الرسول : انتقاصه بوصفه بالشّعر والسّحر والجنون. وقيل : إيذاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم المراد هنا هو ما كان من طعنهم في نكاح صفية بنت حيي، إلى غير ذلك، ولا مانع أن يكون كلّ ذلك مرادا.

(١) الجامع لأحكام القرآن المشهور بتفسير القرطبي، طبعة تصوير، بيروت دار المعرفة (١٤/ ٢٣٢ - ٢٣٣).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٣٠٦)، ٤ - كتاب الصلاة، ١٧ - باب الصلاة من النبي حديث رقم (٤٠٨).


الصفحة التالية
Icon