ص : ٦٧٢
يتخذ التماثيل، فالقرآن صريح في امتنان اللّه على سليمان بأنّه سخّر له الجن لتعمل له ما يشاء عمله، من المحاريب والتماثيل، والجفان، والقدور الراسيات. صحيح أنّه لم يذكر في القرآن صراحة أنّ الجن عملت له المحاريب والتماثيل والجفان، ولكنّ تخصيص هذه الأشياء بالذكر في معرض الامتنان دليل على أنّ سليمان كان يبغي صنع هذه الأشياء، وهو قد لا يجد من يصنعها، أو يحذق صنعها، فسخّر له الجن لعملها، وأنّه يمتن عليه بذلك، وعلى هذا ففي تسخير اللّه الجن لعمل ما يشاء سليمان من التماثيل إذن من اللّه لسليمان باتخاذها، وهذا دليل على أنّ اتخاذها مشروع عند سليمان، فهل الأمر كذلك في شريعتنا، ذلك هو الذي يجمل بنا أن نتكلم فيه فنقول :
إنّ القرآن نعى على التماثيل يعكف لها ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ [الأنبياء : ٥٢] وندّد بمن يتخذون الأصنام والأوثان آلهة، وفي القرآن من قصص إبراهيم في تحطيم الأصنام ما هو معروف، وقد ورد أنّ رسولنا الأعظم حطّم الأصنام التي كانت حول الكعبة «١»، والتي كانت على الصفا والمروة، والدين الإسلامي دين التوحيد، وعدوّ الشرك، وليس في الإسلام ذنب أعظم من الشرك إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء : ٤٨ و١١٦].
والسنة قد جاءت بالنعي على التصوير والمصورين، وبالنهي عن اتخاذ الصور، وبالتنفير منها : وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة في الموضوع على وجوه كثيرة من الاختلاف. ولكنّها ترجع إلى خمس أمهات ننقلها لك عن القاضي أبي بكر بن العربي، وقد كنا أحببنا أن ننقلها عن البخاري، لكنّا وجدنا إرجاعها إلى الأمهات الخمس ويرجع الفضل فيه للقاضي أبي بكر، فآثرنا الأخذ عنه، فإنّ البخاريّ ذكرها في أبواب على عادته. قال القاضي رضي اللّه عنه «٢» : إنّ أمهات الأحاديث خمس أمهات :
الأم الأولى : ما روي عن ابن مسعود وابن عباس «أنّ أصحاب الصور يعذّبون، أو هم أشدّ الناس عذابا» «٣». وهذا عامّ في كل صورة.
الأم الثانية :
روي عن أبي طلحة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب
(٢) انظر أحكام القرآن لابن العربي، بيروت دار الفكر. (٤/ ١٥٨٩).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٦٧٠)، ٣٧ - كتاب اللباس، ٢٦ - باب تحريم تصوير صورة حيوان حديث رقم (٩٨/ ٢١٠٩)، والبخاري في الصحيح (٧/ ٨٥)، ٧١ - كتاب اللباس، ٨٩ - باب عذاب المصورين حديث رقم (٥٩٥٠).