ص : ٦٧٦
العرب من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصوّرون ويعبدون، فقطع اللّه الذريعة وحمى الباب.
وقد ورد في كتب التفسير في شأن يغوث، ويعوق، ونسر، وود، وسواع : أنّهم كانوا قوما صالحين، ثم صوّروا بعد موتهم تذكيرا بهم وبأعمالهم، ثم انتهى الحال آخر الأمر إلى عبادتهم.
قال ابن العربي : وقد شاهدت بثغر الإسكندرية إذا مات ميت صوّروه من خشب في أحسن صورة، وأجلسوه في موضعه من بيته، وكسوه بزّته إن كان رجلا، وحليتها إن كانت امرأة، وأغلقوا عليه الباب، فإذا أصاب واحدا منهم كرب، أو تجدّد له مكروه فتح الباب عليه، وجلس عنده يبكي، ويناجيه بكان وكان، حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه، ثم يغلق الباب عليه، وينصرف عنه، وإن تمادى بهم الزمان تعبّدوها من جملة الأصنام والأوثان «١».
بعد هذا نقول : إنه ليس لأحد أن يحتجّ بقصة سليمان في التماثيل، فإنّها وإن كانت في شريعة من قبلنا، فقد وجد المغيّر في شريعتنا، وشريعة من قبلنا إنما تكون شريعة لنا إذا لم يوجد الناسخ، وقد وجد، على أنّ من الممكن أن يقال : إن التماثيل التي كانت في ذلك العهد يحتمل أن تكون مما أباحت شريعتنا اتخاذه، فإن لم يصلنا من طريق قاطع أنّ التماثيل التي كانت، إن كانت هناك تماثيل اتخذت، كانت تماثيل لذي روح، وحينئذ يزول الإشكال.
وإننا لننقل لك عن العلامة ابن حجر في شرحه للبخاري آراء العلماء في اتخاذ الصور تتميما للفائدة قال رحمه اللّه : نقلا عن ابن العربي : حاصل ما في اتخاذ الصور أنّها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع، وإن كانت رقما فأربعة أقوال :
الأول : يجوز مطلقا، عملا
بحديث :«إلا رقما في ثوب».
الثاني : المنع مطلقا.
الثالث : إن كانت الصورة باقية بالهيئة، قائمة الشكل حرم، وإن كانت مقطوعة الرأس، أو تفرّقت الأجزاء جاز، قال : وهذا هو الأصح.
الرابع : إن كانت مما يمتهن جاز، وإن كان معلقا لم يجز.
ونقل عن النووي أنّ جواز اتخاذ الصور إنما هو إذا كانت لا ظلّ لها، وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس، أو يمتهن بالاستعمال، كالمخاد والوسائد. والقول بجواز ذلك مروي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي.