ص : ٦٨ قال اللّه تعالى : فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢) الجنف : الميل في الأمور، وأصله العدول عن الاستواء. والفرق بين الجنف والإثم هنا : أن الجنف الخطأ في الوصية من حيث لا يعلم، والإثم الجور عن عمد.
وقد اختلف في تأويل الآية. فقال بعضهم : إن معنى خافَ هنا علم، ولما توعّد اللّه من غيّر الوصية بيّن أن هذا الوعيد لمن غيّرها جورا.
أما من علم من الموصي الجور فلا إثم عليه في تغييرها إلى عدل وصلح، فبيّن الفرق بين التبديلين. فأوجب الإثم في الأول. ونفاه عن الثاني.
وقال بعضهم : إن خافَ هنا على معناها، والمراد : أن من حضر الموصي وهو يوصي فخاف منه الخطأ في وصيته، أو تعمّد الجور فيها فلا حرج عليه أن يصلح بين الموصي وبين ورثته : بأن يأمره بالعدل في وصيته. فلا يتعمد إضرار الورثة. ولا يحرم مستحقا، ويعطي غير مستحق : يفعل ذلك مشورة وإصلاحا، والضمير في قوله : بَيْنَهُمْ يعود على الموصى لهم، وهم وإن كانوا لم يذكروا، إلا أنهم علموا من قوله : مُوصٍ لأنّه يستلزم موصى لهم.
فإن قيل : هذا المصلح قد أتى بطاعة بإصلاحه يستحق عليها الثواب الجزيل. وكان المنتظر أن يقال : فله أجر. فكيف قيل : فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وقيل : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟
فالجواب : أنه لما كان تبديلا، وقد أثّم اللّه المبدّلين، أراد أن يبين مخالفته للأول برفع الإثم عنه، لأنه ردّ الوصية إلى العدل.
وأما قوله : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، كأنه قال : أنا الغفور الرحيم لمن أذنب وعصى فلأن أوصل الرحمة والمغفرة لهذا المصلح أولى.
أو يقال : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لهذا الوصي الذي أوصى بما فيه جنف أو إثم إذا أصلحت وصيته. وهذه الآية تدل على جواز الصلح بين المتنازعين.
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤).
الصِّيامُ : مصدر صام. كالقيام مصدر قام، وهو في اللغة : الإمساك عن الشي ء، والترك له، ومنه قيل للصمت : صوم، لأنه إمساك عن الكلام، قال تعالى في


الصفحة التالية
Icon