ص : ٦٨١ يترتب على البر باليمين، وهو أن يأخذ الضغث فيضرب به، فلا يتأذّى المضروب، فيكون قد برّ بيمينه، وابتعد من الحنث، وتجنّب إيقاع الأذى بالغير.
وقد جعل المفسرون يعيّنون من كان سيلحقه الأذى، ويذكرون السبب الذي انبنى عليه عزم إيقاع الأذى، وأخذوا يصوّرون الذي كان من أيوب تارة على أنه كان يمينا، وتارة على أنه كان نذرا، وقد ذكروا في كل ذلك روايات لم تثبت صحتها، فرووا أنّ امرأة أيوب هي المحلوف عليها، وقالوا في سبب الحلف إنّها كانت تخدمه، وضجرت من طول مرضه، فتمثّل لها الشيطان طبيبا، فقالت له :
هل لك أن تشفي هذا المريض؟ فقال : بشرط أن يقول كلمة واحدة هي : أني شفيته : فقالت لأيوب : كلمة واحدة تقولها، وتشفى، ثم تستغفر اللّه، فحلف أو نذر لئن شفي ليضربنّها مئة جلدة.
وقيل بل كانت تأتي له بالطّعام، فأتت يوما بطعام أكثر من المعتاد، وكانت قد باعت ذوائبها، فارتاب في أمرها، فحلف أو نذر.
وقيل : بل طلبت إليه أن يسأل ربّه أن يشفيه، فظنّ ذلك منافيا للصبر فحلف.
وقالوا في الضر الذي أصابه أقوالا كثيرة ينافي ما ثبت للأنبياء من العصمة من المنفّرات.
وقد فهمت قبلا أنّ القرآن يدلّ على أنّ الضرّ حسي تناول البدن بإشارة (مسّني الضّرّ) ومَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ وبإشارة فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وبإشارة ارْكُضْ بِرِجْلِكَ إذ هو ظاهر في أنّه إنما أمر بذلك كطريق من طرق العلاج، وكذلك قول اللّه هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فهو ظاهر في أنّ المراد أن يغتسل من المغتسل، وأن يشرب من الشراب فيشفى.
وكذلك يدلّ القرآن على أنّه قد أصيب في أهله بغير تعيين لنوع الإصابة، أكانت بالموت أم بالمرض، أم بهما معا، فكشف عنه هذا الضر، فآتاه أهله ومثلهم معهم، واللّه يعلم كيف كان هذا الإيتاء، أبإحياء من مات؟ أم بمباركة من بقي وزيادة نسله؟
وقد كان منه حلف بضرب كان من الخير ألا يفعله، فنهاه عن الحنث، وأوجد له المخرج من شرّ الأذى، فأمره بأخذ الضّغث والضرب به. ذلك كلّ ما يدل عليه القرآن الكريم، وهو ليس في حاجة إلى ما جاء في الإسرائيليات، ولو علم اللّه في البيان أكثر من هذا خيرا لبيّنه.
ثم قال اللّه تعالى : إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ صبر على ما أصابه من أذى في بدنه وأهله وماله، والأواب : كثير التأويب والرجوع إلى اللّه في كلّ أموره.
فأنت ترى أنّ أيوب كان قد حلف على ضرب يتكرّر مرارا، وذلك يؤذي