ص : ٦٩٢
وبقوله تعالى : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) [التوبة : ٢٩].
ويقولون :
إنّ ما كان من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في صلح الحديبية :«إنّ من جاءنا منهم رددناه عليهم» «١»
قد نسخ. ونهى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإقامة بين أظهر المشركين، وقال :«من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذّمة» «٢»
وما روي في أسارى بدر منسوخ بما تلونا.
هذه حجج الفريقين قد سقناها لك، وإنك لترى فيها أنّ النبي فعل أشياء كثيرة مختلفة، فمنّ وقال :«اذهبوا فأنتم الطّلقاء»
وقال :«من دخل دار فلان فهو آمن».
وفي الوقت نفسه قتل جماعة من الأسرى، وقال :«اقتلوهم وإن تعلقوا بأستار الكعبة»
وقتل يهود بني قريظة نزولا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا قد رضوا حكمه، ومنّ على واحد منهم، وفادى بالمال والمسلمين، وترى أنّ كلّ ذلك قد كان تبعا للمصلحة الحربية، وقد أرشد اللّه تعالى في القرآن الكريم إلى أنّ المصلحة الحربية فوق كلّ اعتبار، انظر إلى قوله تعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) [الأنفال : ٦٧] فقد عاتب اللّه نبيه على اتخاذ الأسرى قبل أن تقوى شوكة الإسلام، وقبل أن يتمّ خذلان العدو وقهره.
وقد يكون في إباحة الأسر قبل الغلبة تقوية قلوب الأعداء، إذ يقولون : ما دمنا سنكون أحياء نأكل ونشرب، فما لنا نخضع لدعوتهم، فيستمرّون في مناوشة المسلمين، ومداومة حربهم كلّ يوم. أما إذا علموا أنّه لا هوادة في الحرب، وأنهم مقتولون إن لم يؤمنوا، وأنهم لا ملجأ لهم من اللّه إلا إليه أسلموا، وقبلوا الدعوة، أو أسلموا أمورهم، وانقادوا، وذلوا، فلا يقومون بحرب، ولا يقلقون راحة المسلمين، فما لنا لا نوادعهم، ونأسر منهم، فنسترقّ، ونمنّ، ونفادي، فانظر عظمة الإسلام ومكارمه.
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ١٣٢)، كتاب السير، باب كراهية المقام حديث رقم (١٦٠٤)، وأبو داود في السنن (٢/ ٣٩٤)، كتاب الجهاد، باب النهي حديث رقم (٢٦٤٥).