ص : ٦٩٩
واستدلّ بالآية أيضا على قبول خبر الواحد العدل، وتقرير الاستدلال بها من وجهين :
الأول : أنه قد رتب الأمر بالتبين على مجيء الفاسق لنبأ، فيفيد ذلك أن الفسق علة للتبين، ومعنى كون الشيء علة لشيء آخر، أن يكون له تأثير في وجوده، لا يوجد إلا معه، وإلا فلو وجد دونه لما كان علة له، والفرض أنّه العلة.
وقد رد هذا بأنّ إثبات العلية بطريق ترتّب الحكم على الوصف إثبات بظني، ولا ينهض حجة في إثبات أصل من الأصول، ولأنّ الاقتصار على شيء لا ينفي ثبوت الحكم فيما عداه.
والثاني أن التبين مشروط بمجيء الفاسق، ومفهوم هذا الشرط انعدام الأمر بالتبين عند عدم الشرط، فيثبت انعدام التبين في خبر الواحد العدل فيكون مقبولا، وهو مردود، بأنّ ذلك قول ناشىء من اعتبار مفهوم المخالفة حجة، وهو مختلف فيه، فلا يثبت به أصل من الأصول، لأنّ الظواهر لا تكفي في إثبات المسائل العلمية.
واستدل الحنفية بالآية على قبول خبر الواحد المجهول الحال، لأنّها دلت على أنّ الفسق شرط وجوب التثبت والتبين، فيقتصر فيه على محل وروده، ويبقى ما وراءه على الأصل، وهو القبول.
وأنت ترى أنّ هذا استدلال مبني على أنّ الأصل العدالة. والخصم ينازعهم فيه، ويقول : بل الأصل عدمها، والظاهر أنّ مسألة قبول المجهول مبنية على هذا، فإن صحّ أنّ الأصل العدالة، فهو باق على عدالته، حتى يتبين خلافها، وإن كان الأصل عدمها، فهو داخل في الفسق، ويكون المراد منه من لم تتبيّن عدالته.
واستدلّ بالآية أيضا على أنّ من الصحابة من ليس بعدل، لأن اللّه تعالى أطلق الفاسق على الوليد بن عقبة، فإنّها نزلت فيه، وسبب النزول لا يمكن إخراجه من اللفظ العام، وهو صحابي بالاتفاق، وتكون الآية ردّا على قول من ذهب إلى أنهم كلهم عدول ولا نبحث عدالتهم في رواية ولا شهادة.
والمسألة خلافية، وفيها أقوال كثيرة :
أحدها، هذا وعليه أكثر العلماء سلفا وخلفا.
والثاني : أنّهم كغيرهم، فيبحث على العدالة فيهم كما يبحث عنها في غيرهم رواية وشهادة، إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين أبي بكر وعمر رضي اللّه تعالى عنهما.
وثالثها : أنهم عدول إلى زمن عثمان، ويبحث عن عدالتهم من مقتله.
ورابعها : أنهم عدول إلا من قاتل عليا والمسألة لها موضع غير هذا، ولكل أدلته وبراهينه.


الصفحة التالية
Icon