ص : ٧٠١ ويرى بعضهم أنه يجوز أن يكون قوله : لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ كلاما مستأنفا، وذلك أنّه لما قال اللّه تعالى : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ثم قال : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ كان ذلك بمثابة أنّ طريق الكشف والتبيّن سهل وممكن، وهو الرجوع إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. لأنه فيكم، يبيّن لكم، ويرشدكم، وفي ذلك تنزيل لهم منزلة الجاهلين بمكان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم، وبوظيفته من البيان والإرشاد بينهم.
فاتجه من ذلك : أن يسأل سائل : ماذا فعلوا حتى نسبوا إلى التفريط، وقرّعوا بجهل منزلة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم؟
فجاء قوله تعالى : لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ مومئا إلى ما كان منهم من محاولة أن ينزل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم على رأيهم في الذي يرون، واتباع إشارتهم فيما يقولون.
وذلك أنّه بيّن لهم النتيجة التي تترتب على نزوله على إرادتهم، والخضوع لإشارتهم، فقال : لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وأنت ترى أن هذا القول وإن كان حسنا من حيث المعنى، إلّا أن فيه تغاضيا عن أنّ قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ معطوف (بالواو) وهو مرتبط بما قبله، وفيما ذهب إليه هذا البعض ما يفضي بترك العطف.
وظاهر كذلك أنّ ما ذهبوا إليه فيه إضمار لا حاجة إليه، ولا ضرر في جعل الجملة لَوْ يُطِيعُكُمْ حالا من أحد الضميرين، على ما ذهب إليه الزمخشري «١». والمعنى على أحد الوجهين : هو جعلها حالا من الضمير المستتر، وأمّا الوجه الآخر فالمعنى :(و اعلموا أنّ فيكم رسول اللّه) حال كونكم على حال تتنافى مع مقامه بينكم، تلك الحال هي إرادتكم أن ينزل على إرادتكم، وذلك ضارّ بكم، يترتب عليه عنتكم وهلاككم.
وجاء قوله :(لو يطيعكم) على صيغة المضارع بدل الماضي للدلالة على أنهم كانوا يريدون إطاعة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لهم إطاعة مستمرة، بدليل قوله تعالى : فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ وذلك أن صيغة المضارع تفيد التجدد والاستمرار، تقول : فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، تريد أنّ ذلك شأنه، وأنّه مستمر على ذلك.
وقوله تعالى : وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ استدراك على ما يقتضيه الكلام من وقوع العنت بهم. والمعنى : أنّ ما هم عليه كان يقتضي هلاكهم، ولكن منع من ذلك أنّ اللّه هدى فريقا منهم، وحبّب إليه الإيمان، فآمن، وزينه في قلبه، فأقام عليه، فلم يكن شأنه شأن أولئك الذين يريدون قلب الأوضاع، بأن يتّبعهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الذي يرون.

(١) في تفسيره الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٤/ ٣٦١).


الصفحة التالية
Icon