ص : ٧١
محتملا لأن يكون فوق ثلاثة أيام إلى أكثر من شهر، فبينه اللّه تعالى بقوله : شَهْرُ رَمَضانَ إلخ. وإذا كان ذلك يمكننا في فهم الآية فلا وجه لحملها على غيره، وإثبات النسخ فيه، وهو فوق ذلك خارج عن مدلول اللفظ.
أما ما تمسكتم به من
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«صوم رمضان نسخ كلّ صوم»
فلم لا يجوز أن يراد : كلّ صوم كان في الشرائع السابقة؟ ومعروف أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، فليكن هو الناسخ. ولئن سلّم أن المراد كلّ صوم كان عندنا فأين انحصار أدلة الوجوب في هذه الآية؟ ولم لا يجوز أن يكون صوما قد ثبت بأدلة غير هذه؟
وأما قولكم : لو كان عين شهر رمضان لكان قوله : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ... إلخ مكرّرا.
فلنا أن نقول : إن صوم رمضان ثبت في أول الأمر مخيّرا فيه المكلّف بين الصيام، وبين الفدية دون القضاء، فلما كان كذلك، ورخص للمسافر في الفطر، كان من الجائز أن يظنّ أن عليه الفدية دون القضاء، ويجوز أنه لا فدية عليه ولا قضاء لمكان العذر الذي يفارق به المقيم.
ولما لم يكن ذلك بعيدا، بيّن اللّه تعالى أن إفطار المريض والمسافر في الحكم خلاف التخيير في حق المقيم، فإنه يجب عليهما القضاء في عدة من أيام أخر، فلما نسخ اللّه ذلك عن المقيم الصحيح وألزمه بالصوم حتما، كان جائزا أن يظن أن انتقال الحكم من واسع إلى ضيق ربما يعم الكلّ فيساوي المريض والمسافر الصحيح المقيم. أو على الأقل يبقى حكم المريض والمسافر مجهولا : فكانت هناك حاجة إلى البيان، فجيء به لدفع هذه الحاجة، وحيث قد ذهبنا إلى القول بأن صوم رمضان كان في البدء مخيّرا، فلم تعد بنا حاجة إلى الاعتذار عن حجتهم الثالثة.
وأنت ترى أن الآية على القولين قد دخلها النسخ : أما الأول فظاهر، وأما الثاني، فلأنّه يقضي بأن صوم رمضان ثبت في البدء مخيّرا، ثم نسخ بالتعيين، ولعل الحكمة في شرعه هكذا سنة التدرج في التشريع.
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ المراد منه واللّه أعلم أن فرض الصيام في الأيام المعدودات إنما يلزم الأصحاء المقيمين. فأما من كان مريضا أو مسافرا فله تأخير الصوم عن هذه الأيام إلى أيام أخر.
وقد دلّت الآية على عظيم فضل اللّه، وسعة رحمته بعباده، فقد بيّن اللّه سبحانه في أول الآية أن شريعة الصيام فيكم لم تكن بدعا من الشرع، بل لكم فيها أسوة، فقد كانت مكتوبة على من قبلكم من الأمم، ثم بيّن فيها ثانيا : وجه الحكمة في إيجاب الصوم، وهو أنه سبب قوي في حصول التقوى، وثالثا : أنه لم يكلفنا بما يشق، بل


الصفحة التالية
Icon