ص : ٧١٧ ويرى الفخر الرازي «١» أن كلمة (لا) هي نافية على معناها، غير أن في الكلام مجازا تركيبيا، وتقديره أن نقول :(لا) في النفي هنا مثلها في قول القائل : لا تسألني عما جرى عليّ، يشير إلى أن ما جرى عليه أعظم من أن يشرح فلا ينبغي أن يسأله، فإن غرضه من السؤال لا يحصل، ولا يكون غرضه من ذلك النهي إلّا بيان عظمة الواقعة، ويصير كأنه قال : جرى عليّ أمر عظيم، ويدل عليه أن السامع يقول له : ماذا جرى عليك، ولو فهم من حقيقة كلامه النهي عن السؤال لما قال : ماذا جرى عليك، فيصحّ منه أن يقول : أخطأت حيث منعتك عن السؤال، ثم سألتني وكيف لا، وكثيرا ما يقول ذلك القائل الذي قال : لا تسألني عند سكوت صاحبه عن السؤال، أو لا تسألني، وتقول : ماذا جرى عليك؟ ولا يكون للسامع أن يقول : إنك منعتني عن السؤال : كل ذلك تقرّر في أفهامهم : أنّ المراد تعظيم الواقعة لا النهي.
إذا علم هذا فنقول في القسم : مثل هذا موجود من أحد وجهين :
إما أن لكون الواقعة في غاية الظهور، فيقول : لا أقسم بأنه على هذا الأمر، لأنه أظهر من أن يشهر، وأكثر من أن ينكر، فيقول : لا أقسم، ولا يريد به القسم ونفيه، وإنما يريد الإعلام بأن الواقعة ظاهرة، وإما لكون المقسم به فوق ما يقسم به، والمقسم صار يصدق نفسه فيقول : لا أقسم يمينا بل ألف يمين، ولا أقسم برأس الأمير برأس السلطان، ويقول : لا أقسم بكذا، مريدا لكونه في غاية الجزم.
والثاني : يدل عليه أنّ هذه الصيغة لم ترد في القرآن، والمقسم به هو اللّه تعالى أو صفة من صفاته، وإنما جاءت أمور مخلوقة، والأول لا يرد عليه إشكال إن قلنا :
إن المقسم به في جميع المواضع رب الأشياء، كما في قوله : وَالصَّافَّاتِ المراد منه رب الصافات، فإذا قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) أي الأمر أظهر من أن يقسم عليه وأن يتطرّق الشك إليه.
ولعلك بعد كلام الفخر تكون قد فهمت أن نفي القسم استعمل في القسم من طريق أوكد.
وقبل أن نتكلم على معنى القسم من اللّه بذاته، أو بأشياء من خلقه، نتكلم على تفسير الآية التي معنا، لنفرغ إلى القول في هذه النواحي باستفاضة.
أُقْسِمُ أحلف بِمَواقِعِ النُّجُومِ المواقع جمع موقع، وموقع الشيء ما يوجد فيه، وما يسقط فيه إن كان من أشياء مرتفعة. وعليه، فمواقع النجوم قيل : المشارق والمغارب جميعا، لأنها موجودة فيها. وقيل : المغارب فقط، لأنّ عندها تسقط النجوم. وقيل : بل مواقعها مواضعها من بروجها في السماء ومنازلها منها. وقيل : بل