ص : ٧٤٥
يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في دوركم، أو في رزقكم، وفي كل ما تحبّون التوسعة فيه.
وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا النشز : الارتفاع في مكان، والمراد هنا النهوض من المجلس، أي : وإذا قيل لكم انهضوا للتوسعة على المقبلين فانهضوا، ولا تباطؤوا.
وقال الحسن وقتادة والضحاك : إنّ المعنى : وإذا دعيتم إلى قتال أو صلاة أو طاعة فأجيبوا.
وقيل : إذا دعيتم للقيام عن مجلس الرسول فقوموا، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان أحيانا يؤثر الانفراد في أمر الإسلام أو لبعض شأنه، ولا مانع من تعميم الحكم في كل مجلس، فإذا دعت الحاجة إلى أن ينفرد صاحب المجلس في أمر، أو إلى أن يخلو ببعض الجالسين، فله أن يطلب في رفق إلى الجالسين أن يقوموا، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم ضررا من فوات المصلحة التي دعت إلى الانفراد.
وهذا مما لا نزاع لأحد في جوازه.
نعم لا يجوز للقادم أن يقيم أحدا ليجلس هو في مجلسه،
فقد روى مالك والبخاريّ ومسلم «١» وغيرهم عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ولكن تفسّحوا أو توسّعوا».
وقد جرى الحكم أنّ من سبق إلى مباح فهو أولى به، والمجالس من هذا المباح، وعلى القادم أن يجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أنّ مكارم الأخلاق تقضي على الجالسين بتقديم أولي الفضل وأهل الحجى والحلوم، بذلك جرى عرف الناس وعوائدهم في القديم والحديث.
ولقد كان هذا هو الشأن بين الصحابة في مجلس الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانوا يقدّمون بالهجرة وبالعلم وبالسن.
روى أبو بكر بن العربي «٢» بسنده عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه : بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد وقد طاف به أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب، فوقف وسلّم، ثم نظر مجلسا يشبهه، فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في وجوه أصحابه أيهم يوسّع له، وكان أبو بكر جالسا على يمين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فتزحزح له عن محله، وقال : هاهنا يا أبا الحسن، فجلس بين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبين أبي بكر، فقال :«يا أبا بكر! إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل».
(٢) انظر أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ١٧٤٧).