ص : ٧٤٨
حصول المناجاة بالفعل، فأمر اللّه المؤمنين أن يقدّموا صدقات عند مناجاة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، بهذا ترى أنّ الآية متصلة بما قبلها تمام الاتصال، فكلّ منهما متعلّق بما يكون في مجلس الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وما يفعله الجالسون في المجلس الشريف.
أمر اللّه المؤمنين بذلك حدّا للمناجاة التي تكون لغير حاجة ومنعا منها، ونفعا للفقراء الذين يكونون في مجلس الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وقد تدعو المناجاة إلى أن يقوموا من مجلسهم لهذا الذي يريد أن يناجي الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا كان هذا القيام سيعود بالفائدة على الفقراء اطمأنت قلوب القائمين، فقراء كانوا أو أغنياء، فإنّ الأغنياء يطيب خاطرهم لنفع الفقراء.
والتعبير بقوله تعالى : بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً يراد منه أن تكون الصدقة حاضرة عند النجوى، على طريق تمثيل النجوى بمن له يدان، أو هو استعارة مكنية تقوم على تشبيه النجوى بالإنسان، وإثبات اليدين تخييل.
ويقول المفسرون : إن هذا الأمر اشتمل على فوائد كثيرة :
منها : تعظيم أمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وإكبار شأن مناجاته، كأنها شيء لا ينال بسهولة.
ومنها : التخفيف عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالتقليل من المناجاة.
ومنها : تهوين الأمر على الفقراء الذين قد يغلبهم الأغنياء على مجلس الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنهم إذا علموا أنّ قرب الأغنياء من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ومناجاتهم له تسبقها الصدقة لم يضجروا.
ومنها : عدم شغل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بما لا يكون مهما من الأمور، فيتفرغ للرسالة فإنّ الناس وقد جبلوا على الشحّ بالمال يقتصدون في المناجاة التي تسبقها الصدقة.
ومنها : تمييز محبّ الدنيا من محبّ الآخرة، فإنّ المال محكّ الدواعي.
هذا وقد اختلف العلماء في مقتضى هذا الأمر، أهو الوجوب أم هو الندب.
فقال بعضهم بالوجوب، مستدلا بأنّ الآية فيها أمر بتقديم الصدقة عند النجوى، والأمر للوجوب، ثم قال اللّه في آخر الآية : فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومثل هذا لا يقال إلا في الواجبات التي لا تترك.
وقال بعضهم : إن الأمر هنا للندب والاستحباب، وذلك أنّ اللّه قال في الآية :
ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ومثل هذا قرينة تصرف الأمر عن ظاهره، وهو إنما يستعمل في التطوع دون الفرض.
وأيضا قال اللّه تعالى في الآية التي بعد هذه مباشرة : أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ وهذا يزيل ما في الأمر الأوّل من احتمال الوجوب، انظر إلى قوله : فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.