ص : ٧٦٣
وهي دون الإيمان لا تصلح علة، إذ إنّها لو صلحت لكان خروج الحربية إلينا بأمان موجبا للفرقة، وهو لا يوجبها اتفاقا، وكذلك المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان، أو أسره أهل الحرب لا يبطل نكاح امرأته التي في دار الإسلام.
وجواب الحنفية عن هذا - بأنّ المراد أن يكون من أهل دار الإسلام - جواب لا ينفع، فإنّه تستر وراء الألفاظ، وإلّا فأهليتها لدار الإسلام موجودة وهي في دار الحرب إذا أسلمت قبله، فلما ذا تنتظرونه حتى يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم، وإلا فرّق بينهما. فالأهلية فوجودة من اللحظة الأولى، فلو كانت الأهلية هي الموجبة لحصلت الفرقة بالإسلام لمجرده، وهو ما نقول به، غاية الأمر أننا نخالفكم في العدة، أنتم تقولون بعدم وجوبها، ونحن نقول بوجوبها، لأننا نرى أن العدة شرعت لتعرف براءة الرحم، ولحقّ الزوج، حتى لا يضيع نسب ولده، فإذا أسلم وامرأته في العدة فهو أحقّ بها، لأن المانع من بقاء الزوجية قد زال، والعدة واجبة على الزوجة غير المسبية، وهذه زوجة غير مسبية، فتلزمها العدة.
قال الحنفية في مسألة العدة : إنّ قوله تعالى : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ظاهر في عدم وجوب العدة، لأنّه لم يشترط في رفع الجناح في النكاح إلا إيتاء المهر، ولو كان هناك شيء غير هذا لبينه.
وللجماعة أن يقولوا في هذا الدليل : إنّه متروك الظاهر، وإلا لا قتضى أن يصحّ النكاح بغير شهود، وهو لا يصحّ بالاتفاق، بل هو لا يصح إلا مستوفيا كلّ شرائطه، فلو كان تحته أختها لا يحل له أن ينكحها مهما دفع من المهر.
نعم قد يقال في هذا : إن اللّه تعالى يقول : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ والنكاح حقيقة شرعية معروفة الأركان والشرائط، فالمفروض استيفاؤها، والآية سيقت لدفع ما كان يظنّ من أنّ للنكاح الأول حرمته، وأنّه باق، فنفت الآية هذا الظن، ورفعت الجناح في النكاح مع استيفاء الشرائط والأركان وانتفاء الموانع.
وأما استدلال الحنفية بقوله تعالى : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فتأويله عند الجماعة : ولا تمسكوا بعصم نسائكم المشركات الباقيات في دار الحرب، وتكون الآية لمنع بقاء نكاحهن، كما منع ابتداء نكاح المشركات وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة : ٢٢١]. ويكون المراد منع المؤمنين من أن يكون بينهم وبين نسائهم الباقيات على الشرك علقة من علق الزوجية أصلا، وعدم الاعتداد بذلك النكاح، فهو لا يمنع خامسة ولا نكاح أختها.
وقد يساعد على هذا التأويل قوله تعالى : وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا. فإن معناه : اسألوا الكفار مهور نسائكم، ولهم من السؤال مثل ذلك، وعليكم الإجابة.