ص : ٧٦٥
من سورة الجمعة
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)
المراد بالنداء الأذان والإعلام، والمراد بالصلاة المنادى لها صلاة الجمعة، بدليل قوله : مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذ غيرها من الصلوات التي يؤذّن لها لا مزية لها في يوم الجمعة عن غيره.
والأذان الذي يجب السعي عنده اختلف فيه، فقال بعضهم : المراد به الأذان الذي بين يدي الخطيب، ووجه هذا أنّه الأذان الذي كان على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مؤذّن واحد، وكان إذا جلس النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر أذّن على باب المسجد، وإذا نزل من على المنبر أقام الصلاة، ثم كان أبو بكر وعمر كذلك، ويرى بعضهم أنّ السعي إنما يجب عند الأذان الأول الذي على المنارة، وهو الأذان الذي زاده عثمان رضي اللّه عنه، وذلك حين رأى كثرة الناس وتباعد مساكنهم، فأمر بالأذان الأول على داره التي تسمّى الزوراء، فإذا جلس على المنبر أذّن المؤذن الثاني، فإذا نزل أقام الصلاة، وفي بعض الروايات زاد الأذان الثالث، وكونه ثالثا، لأنّ الإقامة تسمّى أذانا، كما في
قوله عليه الصلاة والسلام :«بين كلّ أذانين صلاة» «١».
وهذا القول هو الظاهر من مذهب الحنفية، وهم قد نظروا فيه إلى المعنى.
وذلك أنّ المراد من النداء الإعلام، والسعي إنما يجب عند الإعلام، وقد فهم عثمان رضي اللّه عنه هذا المعنى، وزاد النداء الثاني ليتمكّن الناس من حضور الخطبة والصلاة من أماكنهم البعيدة، ولم تكن بالمسلمين حاجة إلى هذا في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لقرب مساكنهم من المسجد، ولأنّهم كانوا يحافظون على أن يجيئوا في أوّل الوقت - إن لم يكن قبله - محافظة على أخذ الأحكام عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فكان النداء الذي بين يدي الخطيب يسمعهم