ص : ٧٦٨
والمراد من ذكر اللّه الخطبة والصلاة جميعا، لاشتمالهما عليه، واستظهر بعضهم أنّ المراد به الصلاة، وقصره بعضهم على الخطبة.
وقد ورد الذكر في الآية مطلقا غير محدود، ومن أجل ذلك قال الحنفية : إنه لا يشترط في الخطبة اشتمالها على ما يسمّى خطبة عرفا، لأنّ اللّه تعالى ذكر الذكر من غير تفضيل بين كونه طويلا أو قصيرا، يسمى خطبة أو لا يسمى خطبة، فكان الشرط هو الذكر مطلقا، وما ورد من الآثار مشتملا على بيان الكيفية فهو يدل على السنية أو الوجوب، ولا ينتهض دليلا على أنه لا يجوز إلا ذلك. ودونه تبطل الخطبة، ولا تصح الصلاة، بل هو اختيار للفرد الكامل من أفراد المطلق.
والشافعية يشترطون أن يأتي الخطيب بخطبتين مستوفيتين لشروط خاصة، واستدلوا على ذلك بآثار وردت فيها، فإن ثبتت هذه الأدلة، وانتهضت دليلا لإثبات الشرطية، فهي الدليل.
وقد جاء في الآية الأمر بالسعي، والأمر للوجوب، فيكون السعي واجبا، وقد أخذوا من هذا أنّ الجمعة فريضة، وذلك أنّه قد رتّب الأمر للذكر على النداء للصلاة، فإذا كان المراد بالذكر هو الصلاة، فالدلالة ظاهرة، لأنه لا يكون السعي لشيء واجبا حتّى يكون ذلك الشيء واجبا.
وأما إذا كان المراد بالذكر الخطبة فقط فهو كذلك، لأن الخطبة شرط الصلاة، وقد أمر بالسعي إليه، والأمر للوجوب، فإذا وجب السعي للمقصود تبعا، فما ذلك إلا لأن المقصود بالذات واجب، ألا ترى أن من ارتفع عنه وجوب الجمعة لا يجب عليه السعي لها، إذا فالسعي تابع لوجوب الجمعة، والجمعة جاء طلبها والنكير على تركها في السنة، وقد انعقد الإجماع على وجوبها بشروطها.
وقد أجمعوا على اشتراط العدد فيها، بل هي ما سميت جمعة إلا لما فيها من الاجتماع، وقد اختلف في أقلّ عدد تنعقد به الجمعة على أقوال كثيرة : ابتدأت من الاثنين إلى الثمانين، ولقد قيل : إنه قد زادت الأقوال فيها على ثلاثة عشر قولا.
والكلام فيها من حيث التحديد ومن حيث الأدلة يرجع [فيه ] إلى كتب الفقه وكتب السنة، فإنّ الآية لم تعرض لشيء منها.
وَذَرُوا الْبَيْعَ المراد من البيع المعاملة، فهو مجاز عن ذلك، فيعم البيع والشراء والإجارة، ولقد ذهب جماعة إلى أنّ الأمر للوجوب، فيكون الاشتغال بهذه الأشياء محرّما.
وقال بعضهم : هو مكروه تحريما، بل لقد زعم بعضهم أنّ الكراهة تنزيهية، بناء على أنّ الأمر للندب، ولم يرتضه كثير من العلماء، وقد قالوا : إنّ التحريم يستمرّ إلى فراغ الإمام من الخطبة.