ص : ٧٧
فقال الشافعي رضي اللّه عنه : عليهما الفدية مع القضاء. وقال أبو حنيفة : ليس عليهما إلا القضاء.
وحجة الشافعية أنهما داخلان في منطوق الآية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ لأنهما لا يطيقان فتجب عليهما الفدية.
وأبو حنيفة جعلهما في حكم المريض، انظر إلى قول الحسن البصري : أي مرض أشدّ من الحمل؟ يفطران ويقضيان، ثم قال أبو حنيفة : فرق بينهما وبين الشيخ الفاني، لأنه لا يمكن إيجاب القضاء عليه، لأنه إنما سقط عنه الصوم إلى الفدية لشيخوخته وزمانته، فلن يأتي عليه يوم يكون أقدر على الصوم من أيام رمضان التي أفطر فيها.
أما الحامل والمرضع فهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة الزوال، فإن زال عذرهما فعليهما عدة من أيام أخر، وإن لم يزل كانا كالمريض الذي لم تزل علته، على أنهما لا يمكن إيجاب الفدية عليهما مع إيجاب القضاء، لأنّه يكون جمعا بين البدل والمبدل، وهو غير جائز، لأن الفدية بدل الصوم.
طَعامُ مِسْكِينٍ هو نصف صاع من برّ «١»، أو صاع «٢» من غيره عند أبي حنيفة، وليس عليه عنده غير ذلك، قال الثوري «٣» : يطعم، ولم يذكر مقدارا.
وروى المزني «٤» عن إمامه الشافعي أن الفدية مدّ، وقال ربيعة «٥» ومالك : لا أرى عليه الإطعام، وإن فعل فحسن.
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ اختلف في تأويله، قال بعضهم : معناه من تطوّع بالزيادة على مسكين واحد فهو خير له، وقال بعضهم : من تطوّع بالزيادة في مقدار الفدية على المسكين الذي أعطاه وقال الزهري «٦» : من تطوّع بالصيام مع الفدية فهو خير له.
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة : ١٨٤] قيل : إنّه خطاب مع الذين

(١) البر : القمح.
(٢) الصاع : أربعة أمداد.
(٣) سفيان بن سعيد بن مسروق من مضر، أمير المؤمنين في الحديث، انظر الأعلام للزركلي (٣/ ١٠٤).
(٤) إسماعيل بن يحيى تلميذ الشافعي، وأحد المصنفين في مذهبه من أهل مصر، انظر الأعلام للزركلي (١/ ٣٢٩).
(٥) ربيعة بن فروخ المعروف بربيعة الرأي، فقيه من المدينة كان بصيرا بالرأي، انظر الأعلام للزركلي (٣/ ١٧).
(٦) محمد بن مسلم بن عبد اللّه بن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث تابعي من أهل المدينة، انظر الأعلام للزركلي (٧/ ٩٧).


الصفحة التالية
Icon