ص : ٧٧٠
قال اللّه تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١) أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي «١» وغيرهم عن جابر بن عبد اللّه قال :
بينما النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة قائما، إذ قدمت عير المدينة، فابتدرها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا، أنا فيها وأبو بكر وعمر، فأنزل اللّه تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً إلى آخر السورة.
بهذا تضافرت الروايات على اختلاف بينها في التفاصيل، وفي بعض الروايات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم نارا»
وفي بعضها :
كان الباقي ثمانية، وفي بعض آخر : بقي أربعون رجلا، وكانت العير لعبد الرحمن بن عوف تحمل طعاما، وكان قد أصاب المدينة جوع وغلاء سعر.
ولما كانت الآية نزلت بعد أن ترك من ترك رسول اللّه في موقفه، قال العلماء :
إن إِذا مستعملة في الماضي، ولما كان العطف بين قوله : تِجارَةً أَوْ لَهْواً ب أَوْ صحّ مجيء الضمير في إليها مفردا، ورجع الضمير إلى التجارة دون اللهو، لأن الانفضاض كان لها بالأصالة، ولهوهم كان للفرح بمجيء التجارة التي أنقذتهم مما هم فيه من الجوع وغلاء السعر، وقد روي أنّه حين جاءت العير استقبلها الناس بالفرح وضرب الدفوف، فخرج المنفضون على ذلك.
وقد استدل العلماء بقوله تعالى : وَتَرَكُوكَ قائِماً على مشروعية القيام أثناء الخطبة، والمشروعية أمر متفق عليه بين العلماء، وقد ثبت في السنة أنّ النبي ما خطب إلا قائما، وكذلك الخلفاء من بعده، استمرّ الأمر هكذا إلى زمن بني أمية، حيث وجد منهم من استهان بأمر الخطبة فخطب جالسا.
نعم قد روي أن أول من خطب جالسا معاوية رضي اللّه عنه، وقد حمل العلماء هذه الرواية على فرض صحتها على أنّه كان عاجزا عن القيام، وإلا فمقام معاوية أجلّ من أن يخالف ما كان عليه الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
أخرج البخاري ومسلم «٢» عن ابن عمر أن النبيّ كان يخطب خطبتين يجلس بينهما.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٥٨٩)، ٧ - كتاب الجمعة، ١٠ - باب ذكر الخطبتين حديث رقم (٣٣/ ٨٦١)، والبخاري في الصحيح (١/ ٢٥١)، ١١ - كتاب الجمعة، ٣ - باب القعدة بين الخطبتين حديث رقم (٩٢٨).