ص : ٧٧٣
ليس معناه إيجاب السلم، بل معناه النهي عن السلم فيما لم يعلم كيله أو وزنه أو أجله.
وكذلك
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم «١» :«كل مما يليك»
ليس معناه إيجاب الأكل. بل معناه : النهي عن أن يجيل يده في الإناء، وهكذا جرى عرف اللسان العربي في كل ما كان من هذا القبيل، فكانت الآية دليلا على حرمة الطلاق في الحيض.
واتفق الفقهاء على أنّ ذلك طلاق بدعي محرّم. والمعنى : فيه الإضرار بالزوجة بتطويل المدة التي تتربصها، فإنّ بقية الحيض لا تحسب من العدة عند من يرى أنّ الأقراء الأطهار، وكذلك لا تحسب هي ولا الطهر بعدها من العدة عند من يرى أنّ الأقراء الحيض.
وأيضا ليس من الوفاء ولا من المروءة أن يطلقها في وقت رغبته عنها، لسبب لا دخل لها فيه.
وألحق الفقهاء بذلك في الحرمة الطلاق في النفاس، لما ذكر من المعنى.
وأتت السنة الصحيحة بصورة ثالثة للطلاق البدعي المحرم، وهي أن يطلّقها في طهر جامعها فيه، والمعنى في ذلك أنه ربما يندم على الطلاق إذا ظهر الحمل، إذ الإنسان قد يسمح بطلاق الحائل لا الحامل، وقد لا يتيسّر له ردها، فيتضرر هو والولد.
واستثنى كثير من الفقهاء من الطلاق المحرّم خلعها في الحيض بعوض منها، لأنّ بذلها المال يشعر بحاجتها إلى الخلاص، وبرضاها بتطويل المدة، وقد قال تعالى : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وأذن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لثابت بن قيس في الخلع على مال من غير استفصال عن حال زوجته «٢».
استدلّ أهل الظاهر بقوله تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ على أنّ الطلاق في الحيض لا يقع، ولا يترتب عليه حكم، لأن الآية ظاهرة في النهي عن الطلاق في غير العدة.
وقد بينت السنة ذلك، بأنه الطلاق في الحيض.
وثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حديث عائشة رضي اللّه عنها أنه قال :«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» «٣»
وفي رواية :«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو

(١) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٥٩٩)، ٣٦ - كتاب الأشربة، ١٣٥ - باب آداب الطعام حديث رقم (١٠٧/ ٢٠٢٢)، والبخاري في الصحيح (٦/ ٢٤١)، ٧٠ - كتاب الأطعمة، ٢ - باب التسمية حديث رقم (٥٣٧٦).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٢/ ٢٤٤)، كتاب الطلاق، باب في الخلع حديث رقم (٢٢٢٧)، والنسائي في السنن (٥ - ٦/ ٤٨١)، كتاب الطلاق، باب في الخلع حديث رقم (٣٤٦٢).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ١٣٤٣)، ٣٠ - كتاب الأقضية، ٨ - باب نقض الأحكام حديث رقم (١٧/ ١٧١٨)، والبخاري في الصحيح (٣/ ٢٢٢)، ٥٣ - كتاب الصلح، ٥ - باب إذا اصطلحوا على صلح جور حديث رقم (٢٦٩٧).


الصفحة التالية
Icon