ص : ٧٧٥
عن محل النزاع، فإنّ وقوع طلاق الحائض مشروع، فلا يقال فيه : إنه عمل ليس عليه أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فهو مردود، وتحريم الطلاق في الحيض لا يمنع ترتيب أثره وحكمه عليه، كالظهار، فإنّه منكر من القول وزور، ولا شكّ في ترتيب أثره وحكمه عليه، وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفّر، فهكذا الطلاق البدعي محرّم، ويترتب عليه أثره، إلى أن تراجع، وكذلك القذف محرّم، ويترتب عليه أثره من الحدود والشهادة.
وكذلك وطء الزوجة في الحيض محرّم، ويترتب عليه أثره وحكمه، حتى ولو دخل بزوجته وهي حائض اعتبر ذلك وطأ يقرّر المهر ويوجب العدة.
وكذلك الإيمان وهو أصل العقود وأجلها وأشرفها يزول بالكلام المحرّم إذا كان كفرا، فكيف لا يزول عقد النكاح بالطّلاق المحرم، الذي وضع لإزالته؟ وكذلك طلاق الهازل يقع مع تحريمه، لأنّه لا يحلّ الهزل بآيات اللّه، فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجادّ أولى أن يقع مع تحريمه.
والفرق بين النكاح المحرّم والطلاق المحرّم أنّ للنكاح عقد يتضمن حلّ الزوجة، وملك بضعها، فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعا، فإنّ الأبضاع في الأصل على التحريم، ولا يباح منها إلا ما أباحه الشارع بخلاف الطلاق، فإنه إسقاط لحقه، وإزالة لملكه، وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذونا فيه شرعا. على أن من النكاح ما يكون محرما ويقع عقده صحيحا، كمن عقد على مخطوبة الغير، فإنّ الإقدام على هذا النكاح حرام، ومع ذلك إذا وقع العقد كان صحيحا.
وأما رواية أبي الزبير عن ابن عمر فردّها عليّ، ولم يرها شيئا، فهي مردودة لمخالفة أبي الزبير فيها من هو أوثق منه، قال أبو داود : والأحاديث كلّها على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال الشافعي : ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير عنه، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا تخالفا، وكذلك قال الخطابيّ. وقال ابن عبد البر : تفرّد بهذه الرواية أبو الزبير، وقد روى الحديث عن ابن عمر جماعة أجلة، فلم يقل ذلك أحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه.
وقال بعض أهل الحديث : لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا.
واستدل الشافعيّ بقوله تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ على أن الأقراء الأطهار، ووجه الاستدلال به أنّ اللام هي لام الوقت، أي فطلقوهن وقت عدتهن، وفد فسر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية بهذا التفسير،
ففي «الصحيحين» «١» عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه طلّق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأل عمر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فقال

(١) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon