ص : ٧٧٦
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدة التي أمر اللّه أن تطلّق لها النساء»
فبيّن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ العدة التي أمر اللّه أن تطلق لها النساء هي الطهر الذي بعد الحيضة، ولو كان القرء هو الحيض كان قد طلقها قبل العدة، لا في العدة، وكان ذلك تطويلا عليها. ويشهد لهذا الذي ذهب إليه الشافعي قراءة ابن مسعود فطلقوهن لقبل طهرهن.
وقال الذاهبون إلى أن الأقراء الحيض : إنّ أهل العربية يفرّقون بين لام الوقت وفي التي للظرفية، فإذا أتوا باللام لم يكن الزمان المذكور بعدها إلا ماضيا أو منتظرا، ومتى أتوا بفي لم يكن الزمان المجرور بها إلا مقارنا للفعل، واعتبر ذلك في قولك :
(كتبته لثلاث خلون) و(كتبته بثلاث بقين) و(كتبته في ثلاث) ففي المثال الأول تكون الكتابة بعد مضي الثلاث، وفي المثال الثاني تكون الكتابة قبل حلول الثلاث، وفي المثال الثالث تكون الكتابة في نفس الثلاث وفي أثنائها. إذا تقرر ذلك يكون قوله تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ معناه فطلقوهن لاستقبال عدتهن، لا في عدتهم، إذ من المحال أن يكون الطلاق وهو سبب العدة واقعا في العدة، وإذا كانت العدة التي تطلّق لها النساء مستقبلة بعد الطلاق، فالمستقبل بعدها إنما هو الحيض، فإنّ الطاهر لا تستقبل الطهر، إذ هي فيه، وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها.
ولكن المعروف أن اللام إذا دخلت الوقت أفادت معنى التوقيت، واختصاص بذلك الوقت على الاتصال، لا استقبال الوقت، فلا تقول : كتبته لثلاث بقين إلا إذا كنت حين الكتابة متلبسا بأولها، فيكون معنى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ فطلقوهنّ للوقت الذي يشرعن فيه في العدة على الاتصال بالطلاق.
واستدل بعض الناس بالآية على أنّ نفس الطلاق مباح، فإنّه إنما نهي عنه إذا كان سببا في تطويل مدة التربص، فاقتضى ذلك أنه إذا خلا عن هذا لم يكن منهيا عنه، بل كان مأذونا فيه، ولا يخفى على المنصف أنّ الآية لم تدل على أكثر من حرمة الطلاق في الحيض.
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أصل الإحصاء العد بالحصا، كما كانت عادة العرب قديما، ثم توسع فيه، فاستعمل في ضبط العدد وإكماله، فمعنى إحصاء العدة ضبطها وإكمالها ثلاثة قروء كوامل.
وإحصاء العدة واجب لإجزاء أحكامها فيها : من حق الرجعة للزوج، والإشهاد عليها، ونفقة الزوجة وسكناها، وعدم خروجها من بيتها قبل انقضائها، والإشهاد على فراقها إذا بانت، وتزوج غيرها من النساء ممن لمن يكن يجوز له جمعها إليها.