ص : ٧٧٨
وقيل : الفاحشة المبينة تطلق على النشوز.
قال الجصاص «١» : هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يكون جمعها مرادا، فيكون خروجها فاحشة، وإذا زنت أخرجت للحد، وإذا بذت على أهله أخرجت أيضا، قال : وما ذكرنا من التأويل المراد يدل على جواز انتقالها للعذر، لأنّ اللّه تعالى قد أباح لها الخروج للأعذار التي وصفنا.
ولكنّك تعلم أننا إذا خرّجنا الآية على المعنى الأول فإنّها تدلّ على أنه لا يباح خروجها بحال، فكيف يقول الجصاص : وجائز أن يكون جميع هذه المعاني مرادا؟
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي الأحكام السابقة حدود اللّه التي حدّها وعيّنها لعباده، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ أي ومن يتجاوز هذه الحدود المذكورة فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فقد حمّل نفسه وزرا، وأكسبها إثما، فصار بذلك لها ظالما وعليها متعديا. أو فقد ظلم نفسه بتعريضها للضرر الدنيوي، كما سيأتي تفصيله.
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً هذه جملة مستأنفة مسوقة لتعليل مضمون الشرطية السابقة.
والخطاب فيها للمتعدي بطريق الالتفات، لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدي.
والمعنى : من يتعدّى حدود اللّه فقد عرّض نفسه للضرر، فإنك لا تدري أيها المتعدي عاقبة الأمر، لعل اللّه يحدث في قلبك بعد الذي فعلت من التعدي أمرا يقتضي خلاف ما فعلت، فامتثل أمر ربّك، ولا تطلّق في الحيض، ولا تهمل في إحصاء العدة، ولا تخرج المعتدة من بيتها، لا يحملنك البغض والغضب على أن تفعل شيئا من ذلك، فإنّ الكراهة والمحبة بيد اللّه مقلب القلوب، فعسى أن ينقلب البغض محبة والمقت مقة، والطلاق رجعة، فانظر لنفسك، وأبق للصلح بابا، ولا تبتّ حبل المودة بتا، فتندم حين لا ينفع الندم، والواقع يصدّق ذلك، فإن الغالب في الطلاق أن يكون نتيجة كراهة كاذبة، أو ثورة غضب جامحة تغمر العقل، وتقوى عليه، حتى إذا تمّ الانفصال، وهدأت الأعصاب، وثاب الرجل إلى رشده، انتابته عوامل القلق والحنين إلى صحبة مضت أن تعود، وتذكّر من زوجته خلالا كان يرضاها، وقلما يخلو أحد من ذلك، كما
قال صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي خلقا»»
وقد يكون بينهما ولد، أو يظهر بها حمل، فتتأكد الرغبة فيها، والندم على طلاقها.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١٠٩١)، ١٧ - كتاب الرضاع، ١٨ - باب الوصية بالنساء حديث رقم (٦١/ ١٤٦٩). [.....]