ص : ٧٨٨
أما البائن غير الحامل فقد اختلف العلماء في سكناها ونفقتها على ثلاثة أقوال :
أحدها : وجوب السكنى والنفقة.
والثاني : عدم وجوبهما.
والثالث : وجوب السكنى دون النفقة.
فأما وجوب السكنى والنفقة فهو قول عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وكثير من فقهاء الصحابة والتابعين. وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وسائر فقهاء الكوفة :
احتجوا لوجوب السكنى بقوله تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ فهو أمر بالسكنى لكل مطلقة. ولوجوب النفقة بأنها جزاء الاحتباس، وهو مشترك بين الحائل والحامل، ولو كان الإنفاق جزاء للحمل لوجب في ماله إذا كان له مال، ولم يقولوا به.
وقوله تعالى : وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ليس للشرط فيه مفهوم مخالفة، بل فائدته أن الحامل قد يتوهم أنها لا نفقة لها لطول مدة الحمل، فأثبت لها النفقة، ليعلم غيرها بطريق الأولى فهو من مفهوم الموافقة. وقد قال عمر رضي اللّه عنه : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم لقول امرأة لا ندري جهلت أم نسيت. يريد قول فاطمة بنت قيس حين طلّقها زوجها البتة : لم يجعل لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سكنى ولا نفقة.
وأما القول بأنها لا سكنى لها ولا نفقة فهو مروي عن ابن عباس وأصحابه، وجابر بن عبد اللّه، وفاطمة بنت قيس من فقيهات نساء الصحابة، وكثير من التابعين، وإليه ذهب إسحاق وداود وأحمد وسائر أهل الحديث، وحجتهم في ذلك حديث فاطمة بنت قيس الذي اتفق على صحته المحدثون.
أخرج مسلم «١» وغيره عن فاطمة بنت قيس أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال : واللّه مالك علينا من شي ء، فجاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له فقال :«ليس لك عليه نفقة»
وفي رواية «لا نفقة لك ولا سكنى»
، وفي أخرى للنسائي «٢»
«إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة».
وقالوا : وقوله تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ إنما هو في الرجعيات خاصة، لأنّ اللّه تعالى ذكر للمطلقات في هذه السورة أحكاما متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض :
أحدها : أن الأزواج لا يخرجوهن من بيوتهن.
والثاني : أنّهن لا يخرجن.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ١١١٨)، ١٨ - كتاب الطلاق، ٦ - باب المطلقة، حديث رقم (٤٤/ ١٤٨٠)، والنسائي في السنن (٥ - ٦/ ٥١٨ - ٥١٩)، كتاب الطلاق، باب الرخصة في خروج المبتوتة، حديث رقم (٣٥٤٧ - ٣٥٥١).