ص : ٧٩٤
وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ أي، وإن ضيّق بعضكم على بعض في الأجرة، أو في الرضاع، كأن تشتطّ الأمّ في الأجرة، أو تأبى الرضاع، أو يشاح الأب في أجرة المثل فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى الكلام على معنى : فليطلب له الأب مرضعة أخرى، وبذلك يظهر الارتباط بين الشرط والجزاء. وإنما اختير ما في النظم الجليل ليكون فيه نوع من المعاتبة للأمّ، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيأبى : سيقضيها غيرك، أي ستقضي وأنت ملوم، ففيه تنبيه على أنّ الأمّ لا ينبغي لها أن تعاسر في رضاع ولدها، فإنّ المبذول من جهتها هو لبنها لولدها، ولبنها غير متموّل، ولا مضنون به في العرف والعادة، وخصوصا من الأم للولد، وليس كذلك المبذول من جهة الأب، فإنّه المال المضنون به عادة، فكانت الأمّ أجدر باللوم، وأحقّ بالعتب.
ودلّ قوله تعالى : وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى على أنّها إذا طلبت أكثر من أجر المثل، فللأب أن يسترضع غيرها ممن يرضى بأجرة المثل، إذا قبل الصبيّ ثدي الأجنبية، ولم يحصل له ضرر بلبنها، وإلا أجبرت الأمّ على إرضاعه بأجرة المثل.
قال اللّه تعالى : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) قدّر اللّه الرزق : ضيّقه، ولم يبسطه.
دلت الآية على أنّ نفقة الزوجات والأقارب متفاوتة بحسب اليسار والإعسار.
ولم تقدّر الآية في النفقة شيئا معينا، لا كيلا ولا وزنا، ولا نوعا من الطعام، بل أحالت ذلك على العادة ومتعارف الناس في نفقاتهم، فدلّ ذلك على أنّ النفقة ليست مقدرة شرعا، وإنما تتقدّر بالاجتهاد على مجرى العادة بحسب حال المنفق وكفاية المنفق عليه.
وأيد ذلك ما أثبت عنه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنه ردّ الأزواج في النفقة إلى المعروف، وهو ما جرى عليه الناس في عرفهم.
ففي «صحيح مسلم» «١» أنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في خطبة الوداع :«و اتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان اللّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف».
وفي «الصحيحين» «٢»
أنّ هند امرأة أبي سفيان قالت له : إنّ أبا سفيان رجل

(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٨٨٦)، ١٥ - كتاب الحج، ١٨ - باب في المتعة بالحج حديث رقم (١٤٦/ ١٢١٨).
(٢) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon