ص : ٧٩٧
أن تطالبه بنفقة عن المدة التي أكلتها عنده، سواء أأكلت معه أم وحدها، أم أضافها شخص إكراما له، كل ذلك يعتبر إنفاقا عليها، ويسقط نفقتها، لإطباق الناس عليه في زمنه صلّى اللّه عليه وسلّم وبعده، ولم ينقل خلافه.
واختار جمع من أصحاب الشافعي أنّ نفقة الزوجات معتبرة بالكفاية لا بالأمداد، لقوة الدليل على ذلك، حتى قال الأذرعي «١» : لا أعرف لإمامنا رضي اللّه عنه سلفا في التقدير بالأمداد، ولو لا الأدب لقلت : الصواب أنها بالمعروف تأسيا واتباعا اه.
والمأمور بالإنفاق في قوله تعالى : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ إلخ الآباء الذين سبق ذكرهم في قوله تعالى : فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ومن ثمّ كانت الآية أصلا في وجوب النفقة للولد على الأب دون الأمّ.
ودلّ قوله تعالى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها على أنّه لا فسخ بالعجز عن الإنفاق على الزوجة، لأنّه قد تضمّن أنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه اللّه الإنفاق في هذه الحال، فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجل النفقة، لأنّ فيه إيجاب التفريق لشيء لم يجب عليه، وكذلك قوله تعالى : سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً يدلّ على أنه لا يفرّق بينهما من أجل عجزه عن النفقة، لأنّ العسر يرجى له اليسر، كما قال اللّه تعالى : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة : ٢٨٠] وبهذا قال أهل الظاهر، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وأحد قولي الشافعي رواية عن أحمد رحمهم اللّه.
وعلى هذا لا يلزمها تمكينه من الاستمتاع، لأنّه لم يسلم إليها عوضه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه.
وعلى الزوج تخلية سبيلها، لتكتسب، وتحصل ما تنفقه على نفسها، لأنّ في حبسها بغير نفقة إضرارا بها.
والقول بالفسخ مذهب مالك، وأظهر قولي الشافعي، ورواية عن أحمد رحمهم اللّه، وحجتهم في ذلك خبر الدار قطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرّق بينهما. قالوا : وقضى به عمر رضي اللّه عنه، ولم يخالفه أحد من الصحابة، وقال ابن المسيّب : إنّه من السنة.
قالوا : وقد شرع الفسخ بالعنة لإزالة الضرر، والضرر الذي يلحقها بعدم النفقة أشدّ من ضررها بالعنة، فكان الفسخ بالعجز عن النفقة أولى من الفسخ بالعنة.
وفي تخلية سبيلها للكسب تشويش على الحياة الزوجية، وإخلال بالسكن الذي

(١) أحمد بن حمدان أبو العباس شهاب الدين، فقيه شافعي ولد بأذرعات الشام وتفقه بالقاهرة استقر في حلب وتوفي فيها سنة (٧٨٣ ه) انظر الأعلام للزركلي (١/ ١١٩).


الصفحة التالية
Icon