ص : ٨٠٨
السدس، فإذا بلغ النقص السدس، أو تجاوزه كان كثيرا مخلّا بالوفاء.
لكنه يقال : كيف يكون النصف بدل كلّ من الليل الذي استثنى منه القليل؟
وكيف يكون نصف الشيء مطابقا له مع استثناء جزء قليل منه؟
وأجاب المفسرون بأنّه لزيادة الاعتناء بالنصف المقارن للتهجد، وتفضيله بالصلاة فيه على النصف الآخر الخالي من الصلاة، جعل هو أغلب الليل وأكثره، وإن كان في الحقيقة نصفه.
ظاهر توجيه الخطاب إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأمره بقيام الليل مع ندائه بالوصف الخاصّ به - وهو التزمل - أنّ التهجد كان فريضة عليه، وأنّ فرضيته كانت خاصة به. وإلى هذا ذهب جمع من العلماء، قالوا : وهو الذي يدلّ عليه قوله تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء : ٧٩] فإنّ قوله : نافِلَةً لَكَ بعد الأمر بالتهجد ظاهر في أن الوجوب من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وليس معنى النافلة في هذه الآية ما يجوز فعله وتركه، فإنّه على هذا الوجه لا يكون خاصا به عليه الصلاة والسلام، بل معنى كون التهجد نافلة له صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه شيء زائد على ما هو مفروض على غيره من الأمة.
وذهب جماعة آخرون إلى أنّ وجوب التهجد كان ثابتا في حقّ الأمة أيضا، مستندين إلى قوله تعالى في آخر السورة التي معنا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ إلخ. فإنه يدلّ على أنّ الصحابة كانوا يقومون من الليل كما كان يقوم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أدنى من ثلثيه ونصفه وثلثه، وإنه قد خفّف اللّه عنهم جميعا بأمرهم بالقيام على حسب ما يتيسر لهم، قالوا : ويشهد لهذا ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنّه كان يقول :
أوّل ما نزل أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة «١».
وما رواه ابن جرير «٢» عن أبي عبد الرحمن أنه قال : لما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، حتى نزلت (فاقرءوا ما تيسر منه) قال :
فاستراح الناس.
وما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» «٣» عن سعيد بن هشام أنه سأل عائشة رضي اللّه عنها عن قيام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت : ألست تقرأ هذه السورة : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)؟
(٢) في تفسيره جامع البيان، المشهور بتفسير الطبري (٢٩/ ٧٩).
(٣) رواه الإمام أحمد في المسند (٦/ ٥٤).