ص : ٨١٦
القرآن وبعد هذا ترى الأدلة كلها متفقة لا تعارض بينها ولا تدافع.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) الإلقاء : الإنزال : والإيحاء. وعبّر به للإشارة من أول الأمر إلى أنّ ما يوحى به شديد وعظيم.
والمراد بالقول الثقيل : القرآن، وثقله باعتبار ما اشتمل عليه من تحميله عليه الصلاة والسلام أعباء الرسالة ومهمة التبليغ، وما إلى ذلك من التكاليف التي يتطلّب القيام بها صبرا وجلدا وقوة عزيمة.
وقيل : إنه ثقيل في نزوله عليه صلّى اللّه عليه وسلّم، وتلقيه إياه من الوحي، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكرب عند ذلك، ويرجف، ويشتدّ عليه الأمر.
روى الشيخان ومالك والترمذي والنسائي عن عائشة «١» رضي اللّه عنها أنّها قالت : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا.
أخرج أحمد وابن جرير «٢» وغيرهما عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك، حتى يسرّى عنه، وتلت إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥).
وروي أنه صلّى اللّه عليه وسلّم نزل عليه الوحي مرة، وكان جالسا واضعا فخذه على فخذ زيد بن ثابت، فكادت فخذه عليه الصلاة والسلام ترضّ فخذ زيد من شدّة الضغط.
قيل : معنى ثقله : أنه كلام رصين، فخم، له رجحان ووزن، ليس بالسفساف ولا بالهين الضعيف.
وقيل : إنّ ثقله كناية عن بقائه على وجه الدهر، لا يزول ولا يتبدل، فإنّ المعهود في الأجسام الثقيلة أنّها تثبت وتبقى في مكانها.
قال اللّه تعالى : إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) واختلف المفسرون في المراد بالناشئة. فقيل : إنّها من نشأ من مكانه إذا نهض، فتكون الإضافة في ناشِئَةَ اللَّيْلِ على معنى في. والمعنى : إن النفس أو النفوس الناشئة
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان في تفسير القرآن (٢٩/ ٨٠).