ص : ٨٢٣
٣ - أما غير الحنفية فإنّهم يقولون : إنّ قراءة الفاتحة على التعيين فرض لا تجزئ الصلاة بتركها، أو بترك حرف منها، ويقولون : إن الآية - وإن كانت مطلقة - قد قيدتها الأحاديث الصحيحة التي تدلّ على أنّ خصوص الفاتحة ركن. فمن ذلك :
١ -
ما رواه السبعة «١» عن عبادة بن الصامت أنّه عليه الصلاة والسلام قال :«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
قال : النفي هنا يدلّ على انعدام الصلاة الشرعية، لعدم القراءة فيها بالفاتحة، ولا يكون عدم قراءة الفاتحة موجبا لانعدام الصلاة إلا إذا كانت الفاتحة من فرائضها.
قالوا : ولا يرد على هذا الدليل أنّه مشترك الدلالة وأنّه كما يصحّ أن يقدّر فيه متعلق الجار والمجرور الصحة حتى يكون المعنى : لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، كذلك يصحّ تقديره بالكمال، فيكون المعنى : لا صلاة كاملة إلخ ومثل هذا لا يصح به الاستدلال.
قالوا : لا يرد هذا : لأن الأصل في مثل هذا المتعلق أن يقدّر كونا عاما، لعدم القرينة الدالة على الخصوص. فالمعنى : لا صلاة كائنة أو موجودة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة، بل أقوى منه. ولو سلّم أنّه كون خاص، فتقدير الصحة أولى، لأن النفي متوجه في لفظ الحديث إلى ذات الصلاة، وإذا كانت الذوات لا يصحّ أن يتوجه عليها النفي، لأنّه من خواص النسب، وتعذّر بذلك حمل اللفظ على حقيقته كان الحمل على أقرب المجاورين أولى، وذلك بتقدير الصحة، فإنّ ما ليس بصحيح أقرب إلى المعدوم مما ليس بكامل.
٢ - وما رواه الدار قطني «٢» عن عبادة بن الصامت أنّه عليه الصلاة والسلام قال :«لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
فإنّ عدم الإجزاء ظاهر جدا في عدم الصحة.
٣ - وما رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة «٣» أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج»
الخداج بالكسر : النقصان مأخوذ من خداج الناقة، وهو إلقاؤها ولدها قبل أوانه.
٤ - عمل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّه عليه الصلاة والسلام قد واظب على قراءة الفاتحة في كل صلاة من غير ترك، فلو لا أنّها ركن لتركها ولو مرة تعليما وتشريعا.
هذه أدلة الفريقين تجدها في ظاهرها متعارضة، فكان لا بدّ من النظر فيها.
(٢) رواه الدار قطني في سننه (١/ ٣٢٢). [.....]
(٣) سبق تخريجه.