ص : ٨٥
ومنها ما روي عن قتادة أن الصحابة قالوا : كيف ندعو ربنا يا نبي اللّه؟ فأنزل اللّه هذه الآية «١».
ومنها ما روي أنه لما نزلت آية كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ فهموا منها تحريم الأكل بعد النوم، ثم إنهم أكلوا وندموا وتابوا وسألوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : هل يقبل اللّه تعالى توبتنا؟ فنزلت.
وليس المراد بالقريب هنا قرب المكان. بل المراد القرب بالعلم، وما تقتضيه إجابة الدعاء.
هذا وقد قال بعضهم : إنّ الدعاء لا فائدة فيه، وذلك أن الأمر الذي يصدر بشأنه الدعاء. إمّا أن يكون في علم اللّه واقعا أولا. فإن كان الأول فهو لا بد واقع، وإن كان الثاني فهو غير واقع لا محالة!! والجمهور من العقلاء على أن الدعاء أهم مقامات العبودية، والأدلة النقلية على ذلك كثيرة.
منها هذه الآية التي معنا. ومنها قوله تعالى : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر : ٦٠] ولولا أنّ الدعاء فضله عظيم ما طلبه اللّه منا، بل إنّ اللّه تعالى بيّن في آية أخرى أنه إذا لم يسأل غضب، فقال : فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) [الأنعام : ٤٣].
ومنها ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :«الدعاء مخّ العبادة» «٢».
وعن النعمان بن بشير أنه عليه الصلاة والسلام قال :«الدعاء هو العبادة» «٣» وقرأ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر : ٦٠].
وأما ما قالوا : من أنه إن كان الأمر معلوم الوقوع فهو واقع إلخ : فنقول، إنما يكون ذلك لو علمت كيفية قضائه. أما وهما مغيّبان عنا، والحكمة الإلهية تقتضي أن يكون العبد بين الرجاء والخوف. ولولا ذلك لما كان له فائدة، بل لما صحّ.

رقم (٢٩٩٢)، ومسلم في الصحيح (٤/ ٢٠٧٦)، ٤٨ - كتاب الذكر، ١٣ - باب استحباب خفض الصوت حديث رقم (٤٤/ ٢٧٠٤).
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٢/ ٩٣)،
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٤٢٥)، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء حديث رقم (٣٣٧١).
(٣) رواه أبو داود في السنن (١/ ٥٤٩) في كتاب الصلاة، باب الدعاء حديث رقم (١٤٧٩)، والترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٤٢٦)، كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء حديث رقم (٣٣٧٢).


الصفحة التالية
Icon