وروى ابن المبارك بسنده (١)، ومن طريقه: ابن عساكر (٢)، عن محمد بن زياد قال: رأيت أبا أمامة رضي الله عنه أتى على رجل وهو ساجد، يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال أبو أمامة: (أنت، أنت، لو كان هذا في بيتك).
إن أمراً شأنه كذلك لا يتعبد به إلاَّ بنص ثابت في سنده ودلالته، والنص في هذا عن النبي - ﷺ -، أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم لم يحصل بعد التتبع البالغ، وعدم وقوف الحفاظ الجامعين على شيء في ذلك كما تقدم؛ يدل على عدم وجوده. ورحم الله الإِمام أحمد، إذ في رواية عَبدوس عنه: أن الإِمام إن زاد حرفاً في دعاء القنوت على الوارد – فاقطع صلاتك؟ فكيف بدعاء يستغرق نحو ساعةٍ من الزمان لم يرتبه النبي - ﷺ - ولا شيئاً منه، لختم القرآن؟
ورحم الله الإِمام أحمد، إذ في رواية أبي طالب عنه: أنه لم يستحب وصل ختمة بأخرى، قال ابن قدامة: (لعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه). وهذا من الإِمام أحمد رحمه الله تعالى، من شدة قفوه الأثر، وأن الرأي يرد إلى السنن.
ورحم الله ابن المبارك، إذ يعجبه جعل دعاء الختم في السجود؛ ولعل هذا لعدم ثبوت شيء فيه عنده، ولعموم الحديث الصحيح: ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)). وأنت قريب العهد فيما مضى في المقدمة عن أبحاث الختم، من أن بعضها سنة؛ لقيام الدليل عليه. والبعض بدعة؛ لعدمه. والبعض لا يشرع؛ لضعف الخلاف. وأن مدرك الحكم في الجميع في دائرة القاعدة بتوقيف العبادات على النص ومورده، وقد علم من مدارك الشرع، أنه لا مدخل لغير المعصوم - ﷺ - في الشرع، وأنه ليس من أحد من خلق الله إلاَّ وهو يؤخذ من قوله ويترك، إلاَّ النبي - ﷺ -.
وبعد

(١) الزهد والرقائق ص ٥٠، وانظر: سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٦١.
(٢) تاريخ ابن عساكر ٨ / ١٥٠ / ب نسخة الظاهرية.


الصفحة التالية
Icon