قال الحافظ ابن حجر: وهذا منقطع، فإن كان محفوظًا حُمِل على أن المراد بقوله: فكان أول من جمعه، أي: أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنُسِب الجمع إليه لذلك.(١٣)
٤ - ما جاء أن أول من جمع القرآن سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنه -
عن ابن بريدة، قال: أول من جمع القرآن في مصحفٍ سالمٌ مولى أبي حذيفة، أَقْسَمَ لا يرتدي برداء حتى يجمعه، فجمعه.(١٤)
وهذا من غريب ما ورد في أول من جمع القرآن.
قال السيوطي: إسناده منقطعٌ أيضًا، وهو محمولٌ على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكرٍ - رضي الله عنه -. ـ(١٥)
ووصف الآلوسي(١٦) قول السيوطي هذا بأنه عثرةٌ لا يُقال لها لعًا،(١٧) لأن سالِمًا قُتِل في وقعة اليمامة التي كان موت الحُفَّاظ فيها هو سبب الجمع.(١٨)
والصواب -والله أعلم- أن أوَّلية أبي بكر في جمع القرآن أولية خاصةٌّ، إذ قد كان للصحابة - رضي الله عنهم - مصاحف كتبوا فيها القرآن قبل جمع أبي بكر، وهذا لا يعكر صفو القول بأن أول من جمع القرآن هو الصدِّيق - رضي الله عنه -، لأن مصاحف الصحابة الأخرى إنَّما كانت أعمالاً فردية، لم تظفر بِما ظفر به مصحف الصدِّيق من دقَّة البحث والتحرِّي، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حدَّ التواتر، ومن إجماع الأمة عليها، إلى غير ذلك من الْمزايا التي كانت لمصحف الصدِّيق.
فلا يضير مع كل هذه الْمزايا أن يُروى أن عليًّا أو عمر أو سالِمًا كان أول من جمع القرآن، فقُصارى تلك الروايات أنَّها تثبت أن بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، ولكنها لا تُعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للمصحف الذي جمع على عهد أبي بكر - رضي الله عنه -. (١٩)
(١) نكت الانتصار لنقل القرآن ص ٣٥٣-٣٥٤.
(٢) سبق تخريجه، قريبًا.
(٣) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع القرآن. ص ١١-١٢.
(٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٨/٦٢٨).


الصفحة التالية
Icon