ويدل لذلك ما رواه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب قام في الناس فقال: من كان تلقى من رَسُول اللهِ - ﷺ - شيئًا من القرآن فليأتنا به وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح و العُسُب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شهيدان.(١)
٢ - أن لا يُقبل من أحدٍ شيءٌ حتى يشهد عليه شهيدان، أي أنه لم يكن يكتفي بِمجرد وجدان الشيء مكتوبًا حتى يشهد عليه شهيدان.
ويدل على ذلك أثر عمر السابق، وكذلك قول أبي بكرٍ لعمر بن الخطاب ولزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.(٢)
وقد اختلف في المراد بالشهادة هنا:
فقال السخاوي:(٣) المراد أنَّهما يشهدان على أنَّ ذلك المكتوب كُتِب بين يدي رَسُول اللهِ - ﷺ -، أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بِها القرآن.
وقال ابن حجر: وكأن الْمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.(٤) ثم ذكر احتمال الوجهين الأولين.
قال السيوطي: أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك مِمَّا عُرض على النَّبِيّ - ﷺ - عام وفاته.(٥)
والذي يظهر -والله أعلم- أن المراد الشهادة على كتابته بين يدي النَّبِيّ - ﷺ -، وأنه مِمَّا عُرض على جبريل في العام الذي توفي فيه رَسُول اللهِ - ﷺ -، إذ القرآن كان مَحفوظًا في صدور كثير من الصحابة - رضي الله عنهم -، فلو أرادوا الإشهاد على حفظه لوجدوا العشرات.
٣ - أن يكتب ما يؤتى به في الصحف.
ويدلُّ عليه قول زيدٍ في حديث جمع القرآن السابق: وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(٦)
وما في موطَّأ ابن وهب عن ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس.


الصفحة التالية
Icon