وقال القاضي عياضٌ(٤٤) - رحمه الله: جمهور الْمحققين على جواز النسيان عليه - ﷺ - ابتداءً فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم، ولكن من جوز قال: لا يُقَرُّ عليه، بل لا بد أن يتذكره أو يُذَكَّره.(٤٥)
ونسيان النبي - ﷺ - لشيء مِمَّا طريقه البلاغ يكون على قسمين أيضًا:
قال الإسماعيلي:(٤٦) النسيان من النبي - ﷺ - لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قربٍ، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله - ﷺ - في حديث ابن مسعود في السهو: إنَّما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون.(٤٧)
وهذا القسم عارضٌ سريع الزوال، لظاهر قوله - عز وجل - :} إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿.(٤٨)
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو الْمشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: ﴾ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى! إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ﴿، (٤٩) على بعض الأقوال.
وهذا القسم داخل في قوله - عز وجل - :﴾ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا {.(٥٠)(٥١)
وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه النسيان في شيء أصلاً، وإنما يقع منه صورته، ليَسُنَّ.(٥٢)
قال القاضي عياضٌ: وهذا تناقض مردودٌ، ولم يقل بِهذا أحد مِمَّن يقتدى به، إلا الأستاذ أبو الْمظفر الإسفراييني(٥٣) من شيوخنا، فإنه مال إليه ورجحه، وهو ضعيفٌ متناقض.(٥٤)
(٢٩) سورة الأعلى، الآية ٦، وبعض الآية ٧.