فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي - ﷺ -، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،(٩٨) وروي أنه قتل في وقعة اليمامة(٩٩) مثلهم.
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي - ﷺ -، وهذا في غاية البعد في العادة. وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،(١٠٠) مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي - ﷺ -، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.(١٠١)
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة


الصفحة التالية
Icon