السادس: أن الْمراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله - ﷺ - إلا هم، بخلاف غيرهم، فلم يفصح أحد منهم بأنه أكمل حفظه إلا عند رسول الله - ﷺ - حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة مِمَّن جمع جميع القرآن.(١٠٧)
ثالثًا: مع التسليم بثبوت كلام أنس على الحصر الحقيقي، فإن ذلك لا يقدح في تواتر القرآن.
فلو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة، لم يقدح ذلك في تواتر القرآن ؛ فإن أجزاءه حفظ كلَّ جزءٍ منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولم يخالف في هذا مسلمٌ ولا ملحدٌ.(١٠٨)
وهناك احتمالات ضعيفة فيها تكلف،(١٠٩) منها:
١ - أن الْمراد بجمعه السمع والطاعة له، والعمل بموجبه.
٢ - أن الْمراد إثبات ذلك للخزرج فقط دون الأوس، فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من الْمهاجرين ومن جاء بعدهم.
أما دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط، فيجاب بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها، كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد.(١١٠)
(٩٦) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي - ﷺ - ح ٥٠٠٤ (٨/٦٦٣). وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (٨/٦٦٨).


الصفحة التالية
Icon