قال القسطلاني: وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده - ﷺ -، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(٣٩)
وإنَّما ترك النبي - ﷺ - جمع القرآن في مصحف واحد لاعتبارات كثيرة، منها:(٤٠)
١ - أنَّه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعًا في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - حتى كتبه في صحف، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان - رضي الله عنه - حتى نسخه في مصاحف، فالْمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والإسلام لم تتسع دولته، والفتنة مأمونة، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة، وأدوات الكتابة غير ميسورة، والنبي - ﷺ - بين أظهرهم، وعنايته باستظهار القرآن تفوق الوصف، فلا خوف على ضياع شيء منه في تلك الْمدة.
٢ - أن النبي - ﷺ - كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله نسخه من القرآن، ولو جمع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما وقع نسخ.
٣ - أن القرآن لم يَنْزِل جملة واحدة، بل نزل منجمًا في مدى عشرين سنة أو أكثر، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزُول، ولو جُمِع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما نزلت آية أو سورة.
(١) هو الإمام العلامة محمد بن محمد بن محمد بن علي بن الجزري، الْمقرئ الْمجود، صاحب التصانيف العظيمة في القراءات، كالنشر وتقريبها، والدرة والطيبة، وغيرها كثير، وألف أيضًا في التفسير والحديث والفقه والعربية، ونظم كثيرًا في العلوم وغير ذلك في فنون شتى. توفي سنة ٨٣٣ هـ. مقدمة النشر في القراءات العشر (١/د).
(٢) النشر في القراءات العشر (١/٦)، وانظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (١٣/٤٠٠).


الصفحة التالية
Icon