وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن، فاختلف: هل هو توقيف من النبي - ﷺ -، أو من فعل الصحابة، أو يُفَصَّل؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الجمهور: أن النبي - ﷺ - فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده، يعني أن هذا الترتيب من فعل الصحابة - رضي الله عنهم -. ومِمَّن ذهب هذا الْمذهب الإمام مالكٌ، والقاضي أبو بكر الباقلاني فيما استقر عليه رأيه من قوليه.(١)
قال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال، وتعقيبها بالْمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة - رضي الله عنهم - …. ـ(٢)
وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة، منها:
أولاً: أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي - ﷺ - لظهر وفشا ونقل مثله، وفي العلم بعدم ذلك النقل دليلٌ على أنه لم يكن منه - ﷺ - توقيف فيه.(٣)
ثانيًا: أن مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم - كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان - رضي الله عنه -، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولاً عن النبي - ﷺ - ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه.(٤)
فمن ذلك أن مصحف أُبَيِّ بن كعب قدمت فيه النساء على آل عمران، ثم تلت آل عمران سورة الأنعام، ثم الأعراف ثم المائدة …، ومصحف ابن مسعود كان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام … الخ ما فيهما من خلاف مصاحفنا اليوم، وروي أن مصحف علي كان مرتبًا على النزول، فأوله سورة العلق، ثم المدثر، ثم ق، ثم المزمل ثم تبت، ثم التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.(٥)