وقال أيضًا: قرأ زيد بن ثابتٍ على رَسُول اللهِ - ﷺ - في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سُمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابتٍ؛ لأنه كتبها لِرَسُول اللهِ - ﷺ -، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف.(٣٦)
وقال البغوي:(٣٧) يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بُيِّن فيها ما نُسِخ وما بَقِي.(٣٨)
وعن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبعَةِ التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.(٣٩)
وهكذا فقد كانت هذه العرضة عمدة هذه الأمة في معرفة القرآن، إذ إنَّها قد جمعت ما ثبتت تلاوته من الكتاب الحكيم، وأخرجت ما ثبت نسخه.
(١) رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي (١/٤٠) ح ٦، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل بَاب كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ (١٥/٦٨) ح ٢٣٠٨.
(٢) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (٨/٦٥٩-٦٦١) ح: ٤٩٩٧، و ٤٩٩٨.
(٣) هو الفقيه الحنفي محمد زاهد الكوثري، جركسي الأصل، ولد بالأستانة سنة ١٢٩٦هـ، له اشتغال بالأدب والسير، وله تعليقات كثيرة على كتب الفقه والحديث والرجال، وكذلك له مؤلفات عديدة في مختلف ميادين الشريعة. توفي بمصر سنة ١٣٧١هـ. الأعلام للزركلي (٦/١٢٩).


الصفحة التالية
Icon