وقد شهد له شيخه الشيخ عبد الله المئوي(١)بالفضل والكمال لما شاهد فيه ما جمع الله له من العلم والعمل والورع والتقوى والزهد، وإصابة الرأي وثقب العقل، وقوة الذكاء، وجودة الفهم، ودقة النظر ولما أحر(٢)فيه من مخائل النجابة الباهرة، وأبصر فيه من سمات الرزانة الكاملة الظاهرة، وأمارات المجد والعلى.
وقد نال شيخنا – رحمه الله – من الفضل والكمال مبلغ من العلو والشرف ما كان المتقدمون من المحدثين يعتنون به ويرغبون فيه ويتجشمون لأجله، ويبذلون جهدهم لتحصيله من تكثير الشيوخ الثقات، وطلب علو الأسانيد المعتبرة المعتمدة، وهو من مهمات أصول الحديث، ومن أسباب تقوية الحديث وتأييده، فقد سئل بعض المحدثين : أي شيء أحب إليك ؟ فقال : القلب الخالي والسند العالي(٣).
كان – رحمه الله – وحيداً في جمع العلوم العقلية والنقلية، متضلعاً منها وماهراً بها، ولكن كانت له مزية واختصاص بالحديث وفنونه من التمييز بين الصحيح والضعيف، والراجح والمرجوح، والمرفوع والموقوف، ومعرفة المحفوظ والمعلول، والمتصل والمنقطع، وسائر أنواع الحديث، وبمعرفة معاني الحديث وفقه ودقائق الاستنباط منه بمرتبة لم يكن أحد من معاصريه يقاربه ويدانيه، وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، وحظ وافر وقدرة واسعة في شرح الحديث وكشف العبارات، كما لا يخفى على من طالع مصنفاته العربية وتأمل فيها(٤).

(١) ٥ )... هو الشيخ الغازيفوري. سبقت ترجمته.
(٢) ٦ )... من التحري ومعناه التوخي وهو الطريق المعتمد، يقال هذا وَخْيُ أهلك أي سمتهم حيث ساروا، واستوخ لنا بني فلان أي استخبرهم. انظر اللسان ( وخي، حرى ).
(٣) ١ )... المقدمة : ٤٧.
(٤) ٢ )... المقدمة : ٤٧.


الصفحة التالية
Icon