١- مجيء آيات كثيرة في القرآن الكريم ورد فيها لفظ النكاح بمعنى العقد، منها: قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾ [سورة البقرة: ٢٣٥]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [سورة النساء: ٢٢]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ [سورة الأحزاب: ٤٩] وغيرها من الآيات (١) فيها دلالة على أن النكاح يراد به العقد، فيحمل اللفظ في محل النزاع على الغالب من أسلوب القرآن(٢).
٢- أن سبب نزول الآية يبين أن المراد بلفظ النكاح في الآية: عقد النكاح لا الوطء، وقد مرّ ذكر بعض الروايات الواردة فيه عند ذكر المخالفين، وأذكر الآن واحدة منها لإيضاح المراد، وهي الرواية الواردة عن عمرو بن شعيب(٣)

(١) سورة البقرة: ٢٢١، ٢٣٢، ٢٣٧] [سورة النساء: ٣/٢٥، ١٢٧]، [سورة النور: ٣٢، ٣٣، ٦٠]، [سورة القصص: ٢٧]، [سورة الأحزاب: ٥٠، ٥٣]، [سورة الممتحنة: ١٠].
(٢) قواعد الترجيح عند المفسرين (١/١٧٢)، قواعد التفسير لخالد السبت (٢/٧٩٨).
(٣) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، جُلُّ روايته عن أبيه، قال علي بن المديني: سمع أبوه شعيب من جده عبدالله بن عمرو، قال في التقريب: صدوق. توفي سنة
١١٨هـ). تهذيب التهذيب (٨/٤٨)، تقريب التهذيب ص(٧٣٨).

١- ابن جزي: " ((الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) قيل: يستمعون القول على العموم فيتبعون القرآن لأنه أحسن الكلام. وقيل: يستمعون القرآن فيتبعون بأعمالهم أحسنه من العفو الذي هو أحسن الانتصار وشبه ذلك. وقيل: هو الذي يستمع حديثاً فيه حسن وقبيح فيتحدث بالحسن ويكف عما سواه؛ وهذا قول ابن عباس وهو الأظهر "(١).
... أما العدد الأكثر من المفسرين فقد جمعوا كل الأقوال أو معظمها عند تفسيرهم للآية، فمثلاً:
١- الإمام النسفي قال: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقّاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران؛ واجب وندب اختاروا الواجب، وكذا المباح والندب، حرصاً على ما هو أقرب عند الله - عز وجل - وأكثر ثواباً. أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. أو يستمعون أوامر الله - عز وجل - فيتبعون أحسنها؛ نحو القصاص والعفو ونحو ذلك. أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه "(٢).
٢- والقرطبي قال: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) قال ابن عباس: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به. وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون القرآن وأقوال الرسول - ﷺ - فيتبعون أحسنه أي محكمة فيعملون به. وقيل: يستمعون عزماً وترخيصاً فيأخذون بالعزم دون الترخيص. وقيل: يستمعون العقوبة الواجبة لهم والعفو فيأخذون بالعفو. وقيل: إن أحسن القول على من جعل الآية فيمن وحَّد الله - عز وجل - قبل الإسلام (لا إله إلا الله) "(٣).
(١) التسهيل لابن جزي (٣/٤٢٠).
(٢) مدارك التنزيل للنسفي (٤/٤٢).
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥/٢٤٤).

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧) }... ٢٣٧... ٥٦٣
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) ﴾... ٢٤٥
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِن اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) ﴾... ٢٤٩
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩) ﴾... ٢٥٩


الصفحة التالية
Icon