القول الثاني: أن المراد بالزينة، ما تتزين به، وليس من أصل خلقتها أيضاً، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، وذلك كالخضاب والكحل، ونحو ذلك؛ لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، لقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان.
وإذا عرفت هذا فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك(١): أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول، وقدمنا أيضاً في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ، مع تكرر ذلك اللفظ في القرآن، فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب، يدل على أنه هو المراد في محل النزاع، لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ، وذكرنا له بعض الأمثلة في الترجمة.
... وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان للذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية، التي نحن بصددها.
أما الأول منهما فبيانه: أن قول من قال في معنى ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) أن المراد بالزينة: الوجه والكفان مثلاً، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي أن الزينة في لغة العرب، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي، والحلل. فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان؛ خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.

(١) أضواء البيان للشنقيطي (١/١٣+١٨).

٢- ابن جزي: " ((وقال رجل مؤمن من آل فرعون))... روي أن هذا الرجل المؤمن كان ابن عم فرعون، فقوله من آل فرعون صفة للمؤمن. وقيل: كان من بني إسرائيل، فقوله من آل فرعون على هذا يتعلق بقوله يكتم إيمانه. والأول أرجح؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقديم وتأخير، ولقوله: ﴿ ؟`yJsù؟$tRمژفاZtƒ؟.`دB؟ؤ¨ù't/؟"!$#؟ ﴾ ؟[سورة غافر: ٢٩]؛ لأن هذا كلام قريب شفيق، ولأن بني إسرائيل حينئذٍ كانوا أذلاء بحيث لا يتكلم أحد منهم بمثل هذا الكلام "(١).
٣- ابن كثير: " المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطياً "(٢). ثم تكلم عن ترجيح الطبري لهذا القول وردّه للقول الآخر. وقد مرّ معنا كلام الطبري قريباً.
٤- البقاعي: " ((وقال رجل)) أي كامل في رجوليته ((مؤمن)) أي راسخ الإيمان فيما جاء به موسى - عليه السلام -. ولما كان للإنسان، إذا عم الطغيان، أن يسكن بين أهل العدوان، إذا نصح بحسب الإمكان، أفاد ذلك بقوله ((من آل فرعون)) أي وجوههم ورؤسائهم ((يكتم إيمانه)) أي يخفيه إخفاء شديداً خوفاً على نفسه؛ لأن الواحد إذا شذ عن قبيلة يطمع فيه ما لا يطمع إذا كان واحداً من جماعة مختلفة، مخيلاً لهم بما يوقفهم عن الإقدام على قتله من غير تصريح بالإيمان "(٣).
٥- المراغي: " الرجل المؤمن هو ابن عم فرعون ووليّ عهده وصاحب شرطته، وهو الذي نجا مع موسى، وهو المراد بقوله ﴿ ؟uن!%y`ur؟×@م_u'؟ô`دiB؟$|ءّ%r&؟دpuZƒد‰yJّ٩$#؟٤سtëَ،o"؟ ﴾ ؟[سورة القصص: ٢٠] "(٤).
(١) التسهيل لابن جزي (٤/٨).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/٧٧).
(٣) نظم الدرر للبقاعي (١٧/٥٣).
(٤) تفسير المراغي (٢٤/٥٨).

قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) }... ١٠٧
سورة الكهف
﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) ﴾... ٣
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) ﴾... ٧... ، ١٨٧، ١٩٤، ٣٧٨، ٨٢٠، ٨٢٨
﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾... ٢٦
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩) ﴾... ٢٩
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥) ﴾... ٤٥
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (٤٦) ﴾... ٤٦... ، ١٩٤
﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨) ﴾... ٤٨... ، ٤٢١
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩) ﴾... ٤٩... ، ٥١٦
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣) ﴾... ٥٣


الصفحة التالية
Icon