طباعة المصحف الشريف في المملكة العربية السعودية
تعود بداية طباعة المصحف الشريف في المملكة العربية السعودية إلى عام ١٣٦٩هـ عندما ظهر المصحف المعروف بمصحف مكة المكرمة، الذي طبعته شركة مصحف مكة المكرمة.
ففي مقال للأستاذ عبد القدوس الأنصاري في مجلة المنهل (١)، ذكر أن فكرة طباعة هذا المصحف كانت للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود عندما كان مديرًا لمطبعة أم القرى الحكومية، إلا أنه توفي قبل تحقيقها، ثم تبنى المشروع الأساتذة: محمد علي مغربي، وإبراهيم النوري، وعبد الله باحمدين (٢)، وفي بيان إجمالي عن هذا المصحف في جريدة أم القرى (٣)، ذكر أنه عندما نضجت فكرة طباعة مصحف مكة المكرمة، تكوَّنت شركة مساهمة محدودة سجلت رسميًا باسم ((شركة مصحف مكة المكرمة)) مؤلفة من: محمد سرور الصبان، وعبد الله باحمدين (المدير الرسمي للشركة)، وإبراهيم نوري (المراقب العام لأعمالها)، ومحمد علي مغربي (أمين الصندوق)، ومحمد لبنى، وكان رأس مالها مائتي ألف ريال سعودي (٤).
اشترت الشركة مقرًا لها في مكة المكرمة، واشترت آلة طباعة حديثة من أمريكا، يمكن أن يطبع فيها المصحف الشريف بأحجام مختلفة، واتفقت مع مهندسين فنيين لتركيبها.
وتم الاتفاق مع الخطاط المعروف الأستاذ محمد طاهر الكردي في سنوات الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥م) على كتابة المصحف على قواعد الرسم العثماني، وقام بذلك خير قيام، وعندما انتهى من كتابته صححته لجنة من علماء مكة: السيد أحمد حامد التيجي أستاذ علم القراءات بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، والشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام، والسيد محمد أحمد شطا المعاون الثاني لمدير المعارف بمكة، والسيد إبراهيم سليمان النوري المفتش بمديرية المعارف بمكة، ثم أرسل إلى مشيخة الأزهر فوافقت على التصحيح، وكان شيخ القرّاء والمقارئ المصرية الشيخ محمد علي الضَّباع ممن صححه ووضع خاتمه الرسمي عليه (٥).
وبعد خمس سنوات استغرقها العمل بين الكتابة والتصحيح تم الانتهاء من هذا المصحف في عام ١٣٦٧هـ، وبدأ طبعه بالحجم الكبير ابتداءً من ليلة الجمعة الموافق ١٧ من شهر ذي القعدة عام ١٣٦٨هـ، وانتهى في ٧ من شهر ربيع الأول عام ١٣٦٩هـ، ثم بدئ في طبع الحجم الصغير، وبقية الأحجام (٦). ووصفت جريدة أم القرى (٧) هذا المصحف بما يلي:
١. أن ابتداء كل صفحة أول آية، كما أن نهاية كل صفحة آخر آية.
٢. أن ابتداء كل جزء في أول صفحة، كما أن انتهاء كل جزء في آخر صفحة.
٣. أن كل جزء عشرون صفحة ما عدا جزء عمّ.
٤. أن علامات الأحزاب وأنصافها وأرباعها قوسية هلالية.
٥. أن علامات السجدات رسم الكعبة.
٦. أن النقوش التي حول الفاتحة في الصفحة الأولى، وحول أوائل البقرة في الصفحة الثانية مركبة من كلمة مكة بالأحرف الكوفية.
٧. وضع بعد نهاية المصحف في آخره دعاء جامع يتلى عند ختم القرآن، وهو مختار من الأدعية المأثورة.
وكان صدى ظهور هذا المصحف واسعًا في داخل المملكة وخارجها، وكانت فرحة الملك عبد العزيز رحمه الله بظهوره كبيرة، وقدم للقائمين عليه دعمًا ماديًا ومعنويًا سخيًا، وكذلك أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء وكبار موظفي الدولة (٨)، كما لاقى استحسان المسلمين في خارج المملكة وثناءهم، وأشادت به الصحف الصادرة في بعض تلك البلاد (٩).
وبعد ثلاثين عامًا من ظهور مصحف مكة، ظهر مصحف آخر في مدينة جدة، وذلك في عام ١٣٩٩هـ، بمطابع الروضة، بعد مراجعته والموافقة عليه من الجهة المخولة بذلك في المملكة العربية السعودية، وأشرف على هذه الطبعة عدد من القائمين على المطبعة وعلى رأسهم: الأستاذ عبد الله باعكضه مدير عام مطابع الروضة، وزميلاه: محمد طرموم، ومحمد بلجون (١٠).
وفي شهر المحرم من عام ١٤٠٥هـ (١٩٨٤م) أُعلن عن افتتاح أعظم وأكبر مطبعة في العالم تقوم على خدمة القرآن الكريم في المدينة المنورة، وهو أول عمل حكومي رسمي لطباعة القرآن الكريم، وفتح عظيم نفع الله به ملايين المسلمين في مختلف بقاع الأرض.
وقبل الحديث عن هذه المنشأة، نتعرف على عناية هذه الدولة بالقرآن الكريم، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.
(٢) المرجع والعدد نفسه، ٥٥.
(٣) ع ١٣١٢، الجمعة ٢ شعبان ١٣٦٩هـ (١٩ مايو ١٩٥٠م).
(٤) المرجع والعدد نفسه.
(٥) المرجع والعدد نفسه، والمنهل: مرجع وعدد سابق.
(٦) جريدة أم القرى: مرجع وعدد سابق، وذكر عبد القدوس الأنصاري في مجلة المنهل (مرجع وعدد سابق) أن الطباعة بدأت في أواخر عام ١٣٦٨هـ، وانتهت في أواخر المحرم عام ١٣٦٩هـ.
(٧) مرجع وعدد سابق.
(٨) جريدة أم القرى: مرجع وعدد سابق.
(٩) المرجع نفسه: ع ١٣٥١، الجمعة ١٦ جمادى الأولى ١٣٧٠هـ (٢٣ فبراير ١٩٥١م).
(١٠) عبد القدوس الأنصاري: افتتاحية المنهل م ٤٠ ذي القعدة وذي الحجة ١٣٩٩هـ / أكتوبر ونوفمبر ١٩٧٩م.