﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] فقال له الصاغاني : هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عليّ ( عامة ) في الأماكن، والآي التي احتججتُ بها ( خاصة )، ولا يجوز لأحد أن يقول : إن العام ينسخ الخاص، فأبْهَتَ القاضي الزنجاني، وهذا من بديع الكلام «.
قال ابن العربي :»
فثبت النهي عن القتال فيها قرآناً وسنة، فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل إليه، وأما الزاني والقاتل فلا بدّ من إقامة الحد عليه، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيها فيُقْتل بنصّ القرآن «.
الحكم الرابع : ما المراد بالعدون في الآية الكريمة؟
حرّم الباري جل وعلا الاعتداء في قوله :﴿ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين ﴾.
١ - ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي - كما قاله الحسن البصري - من المُثْلة، والغلول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ، الذين لا قدرة لهم على القتال، ويدخل فيها قتل الرهبان، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة. فكل هذا داخل في النهي ﴿ وَلاَ تعتدوا ﴾.
ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة أن رسول الله ﷺ قال :»
اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع «.
وفي »
الصحيحين « عن ابن عمر أنه قال :» وُجدت امرأةٌ في بعض مغازي النبي ﷺ مقتولةً فأنكر رسول الله ﷺ قتل النساء والصبيان «.
ب - وقيل المراد بقوله ﴿ وَلاَ تعتدوا ﴾ النهيُ عن البدء بالقتال، وهو مروي عن مقاتل.
ج - وقيل المراد به النهي عن قتال من لم يقاتل، وهو قول سعيد بن جبير، وأبي العالية.
قال القرطبي :»
ويدل عليه من النظر أن قاتل ( فَاعَلَ ) لا يكون في الغالب إلا من اثنين، كالمقاتلة والمشاتمة، والمخاصمة، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم، كالرهبان، والزّمْنَى، والشيوخ فلا يقتلون، وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( يزيد ابن أبي سفيان ) حين أرسله إلى الشام، إلاّ أن يكون لهؤلاء إذاية، وللعلماء فيهم صور ست :
الأولى - النساء إن قاتلن قُتلن لعموم قوله تعالى :﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾.
الثانية - الصبيان فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية، ولأنه لا تكليف عليهم.
الثالثة - الرهبان لا يُقتلون ولا يُسترقون لقول أبي بكر ( فذرهم وما حبسوا أنفسهم له ).
الرابعة - الزّمني إن كانت فيهم إذاية قتلوا، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة.
الخامسة - الشيوخ قال مالك : لا يقتلون وهو قول جمهور الفقهاء إذا كان لا ينتفع بهم في رأي ولا مدافعة.


الصفحة التالية
Icon