الحكم الثالث : ما هي أنواع الميسر المحرّم؟
اتفق العلماء على تحريم ضروب القمار، وأنها من الميسر المحرّم لقوله تعالى :﴿ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ فكل لعب يكون فيه ربح لفريق وخسارة لآخر هو من الميسر المحرم، سواءً كان اللعب بالنرد، أو الشطرنج أو غيرهما، ويدخل فيه في زماننا مثل ( اليانصيب ) سواء منه ما كان بقصد الخير ( اليانصيب الخيري ) أو بقصد الربح المجرد فكله ربح خبيث « وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ».
قال صاحب « الكشاف » :« وفي حكم الميسر أنواع القمار، من النرد والشطرنج وغيرهما، وعن النبي ﷺ :» إياكم وهاتين اللعبتين المشئومتين فإنهما من ميسر العجم «.
وعن علي رضي الله عنه :» أن النرد والشطرنج من الميسر «.
وعن ابن سيرين :» كل شيء فيه خطر فهو من الميسر «.
قال صاحب » روح المعاني « :» وفي حكم الميسر جميع أنواع القمار من النرد، والشطرنج، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب، والقرعة في غير القسمة، وجميع أنواع المخاطرة والرهان «.
أما النرد فمحرم بالاتفاق لقوله عليه السلام :» من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله «.
وأما الشطرنج : فقد أباحه الإمام الشافعي بشروط ذكرها الإمام الفخر حيث قال :» وقال الشافعي رضي الله عنه : إذا خلا الشطرنج عن الرهان، واللسان عن الطغيان، والصلاة عن النسيان، لم يكن حراماً، وهو خارج عن الميسر، لأن الميسر ما يوجب دفع المال، أو أخذ مال، وهذا ليس كذلك، فلا يكون قماراً ولا ميسراً «.
وأما السبق في الخيل والدواب، والرميُ بالنصَال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من كتب الفقه وليس هنا محل تفصيلها والله تعالى أعلم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
حرم الله الخمر والميسر، لما فيهما من الأضرار الفادحة، والمفاسد الكثيرة، والآثام التي تتولد من هاتين الرذيلتين سواءً في النفس أو البدن أو العقل أو المال.
فمن مضار الخمر أنه يذهب العقل حتى يهذي الشارب كالمجنون، ويفقد الإنسان صحته ويخرّب عليه جهازه الهضمي، فيحدث التهابات في الحلق، وتقرحات في المعدة والأمعاء، وتمدداً في الكبد، ويعيق دورة الدم، وقد يوفقها فيموت السكّير فجأة، وقد أثبت الطب الحديث ضرر الخمر الفادح في الجسم والعقل حتى قال بعض أطباء ألمانيا :» اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات، والبيمارستانات ( مستشفى الأمراض العقلية ) والسجون «.
ويكفي الخمر شراً أنها ( أم الخبائث ) كما ورد في الحديث الشريف.
وأما مضار الميسر فليست بأقل من مضار الخمر، فهو يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويفسد المجتمع بتعويد الناس على البطالة والكسل، بانتظار الربح بدون كد ولا تعب، ويهدّم الأسر ويخرّب البيوت، فكم من أسرة تشرّدت وتحطمت وافتقرت بعد أن كانت تعيش بين أحضان الثروة والغنى بسبب مقامرة أربابها، فكان في ذلك الدمار والهلاك لتلك الأسر المنكوبة، كما انتهى الأمر بالكثير من اللاعبين إلى قتل أنفسهم بالانتحار، أو الرضا بعيشة الذل والمهانة.