الآية أي العفيفات من أهل الكتاب، وهذا قول جمهور العلماء، وبه قال الأئمة الأربعة.
وذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى تحريم نكاح الكتابيات، وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال :« حرّم الله تعالى المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن يقول المرأة : ربّها عيسى، أو عبدٌ من عباد الله تعالى ».
وإلى هذا ذهب الإمامية، وبعض الزيدية وجعلوا آية المائدة منسوخة بهذه الآية نخس الخاص بالعام.
حجة الجمهور :
أ - احتج الجمهور بأن لفظ ( المشركات ) لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى :﴿ مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين ﴾ [ البقرة : ١٠٥ ] وقوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين ﴾ [ البينة : ١ ] قد عطف المشركين على أهل الكتاب، والعطفُ يقتضي المغايرة، فظاهر لفظ ( المشركات ) لا يتناول الكتابيات.
ب - واستدلوا بما روي عن السلف من إباحة الزواج بالكتابيات، فقد قال قتادة في تفسير الآية إن المراد بالمشركات ( مشركات العرب ) اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه.
وعن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزوج اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس به، فقلت : أليس الله تعالى يقول :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات ﴾ ؟ فقال : إنما تلك المجوسيات وأهل الأوثان.
ج - وقالوا : لا يجوز أن تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة، والمائدة من آخر ما نزل، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم لا العكس.
د - واستدلوا بما روي أن حذيفة تزوج يهودية، فكتب إليه عمر خلّ سبيلها، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
فدل على أن عمر فعل هذا من باب الحيطة والحذر، لا أنه حرم نكاح الكتابيات.
ه - واستدلوا بالحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله ﷺ أنه قال في المجوس :« سنوا بهم سنّة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم ».
فلو لم يكن نكاح نسائهم جائزاً لم يكن لذكره فائدة.
قال الطبري بعد سرده للأقوال :« وأولى الأقوال بتأويل الآية ام قاله ( قتادة ) من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات ﴾ من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عام ظاهرها، خاص باطنها، لم يُنسخ منها شيء، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها، وذلك أن الله تعالى أحل بقوله :﴿ والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [ المائدة : ٥ ] للمؤمنين من نكاح محصناتهن مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات، وقد روي عن عمر أنه قال :( المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة ) وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية والنصرانية، حذراً من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما ».